أكتب هذه الكلمات أثناء جلوسي في المقعد الأخير، خلف الجناح الأيمن لناقلة ناس الجوية.. الساعة الآن تقارب الحادية عشر والنصف صباحا، وقت هبوط الطائرة في مطار الطائف، بعد أن غادرت مدينة أبها. لن تلبث هذه الطائرة طويلا حتى تقلع مجددا لتهبط بنا في مطار الرياض. الرحلة لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها من الرحلات الجوية، إلا أنها هذه المرة أكدت لي حقيقة كثير ما حيرتني.
ابن عمي، لا يستطيع ركوب الطائرات. ربما ابن عمك كذلك؟! المهم، حكيت لي تجارب أشخاص كثر، واجهوا الموت أو كادوا أثناء جلوسهم على مقعد الطائرة. أنا، ربما للغرابة لم أواجه مثل تلك اللحظات – ولله الحمد. بعض القصص التي أسمعها تشبه تلك التي أواجهها، مع اختلاف ردة الفعل طبعا.
بعيدا عن الإطالة، إليك موقف مشابه، نجى فيه الراكب الذي أمامي من الموت. وربما لم يخشي الموت أثناء تلك اللحظات سواه.
صعدنا الطائرة، في مطار أبها، متجهين إلى مطار الرياض، مرورا بمطار الطائف. الأجواء في مدينة أبها قبل الإقلاع رائعة وصافية، ولم تكن كذلك قرب مدينة الطائف. أثناء فترة انتظار ركوب من تبقى من المسافرين والإعلان عن موعد الإقلاع، وصل أحد المسافرين وجلس في المقعد الذي أمامي. ألقى السلام على من بجانبه وبدا وكأن بينهما معرفة مسبقة. تبادلا الحديث بصوت وكأنه قد وضع بين مقعديهما لاقط صوتي. سمعت وسمع الركاب في مؤخرة الطائرة جميع أحاديثهما. في تلك الأثناء، أقلعت الطائرة بالطريقة المتعارف عليها، وكعادتها (خضت بعض البطون). توقف الحديث الراكبين للحظة ثم عاد. استمرت تلك الأحاديث إلى أن بدأت الطائرة تمر ببعض المطبات الهوائية البسيطة. فجأة، عادت الأحاديث مجراها ثم انقطعت. الطائرة تنزل بعض الأقدام عن مستوى تحليقها الطبيعي. اقتربنا من الهبوط على مدرج مطار الطائف. على وشك أن تقر الطائرة على عجلاتها..
الراكب الأول يطلب من الثاني أن يحصل على رقم هاتفه النقال قبل أن يتفارقا.
الثاني: "الله يرحم والدينك، خلنا أول نهبط!؟".
الأول: (يستغرب ردة الفعل ولا يظهر أي تحسس).
الثاني، وكأنه قد ذاب في المقعد ولم يبقى سوى فمه ينطق به: "الموت على الطارة أهون من الموت في الطائرة".
الثاني، يتمتم ببعض الكلمات، ربما ينعي فيها نفسه ويندم على اتخاذ قراره بالركوب على تلك الطائرة.
في تلك الأثناء، الثاني يعود ويسأل الأول: "توجد رحلات نقل جماعي (بري) من الطائف إلى أبها؟"
الأول: "نعم، أكيد".
الثاني: "الحمد لله".. بنبرة المتهلل والناجي من مصيبة.
الثاني، بعد أن اطمئن لوضع الطائرة: "توبة!".
الطائرة تجول للحظات على المدرج حتى وقفت. الأحاديث تعود بين الراكب الأول والثاني إلى حين الإذن لمسافري الطائف بمغادرة الطائرة. قام الراكب الثاني من مقعده بعد أن سمع الإذن بفتح أبواب الطائرة وقال متحسرا على بقية ركاب الطائرة: "الله يعينكم على مواصلة الرحلة".
الرحلة، كانت كبقية الرحلات التي سافرت عليها، لم تختلف كثيرا. قلت في نفسي، لو أن ذاك الرجل أخبرني يوما بما حدث له على متن الطائرة، ربما لن أركبها أبدا.. وعل ذاك الخائف قد ذكرني بمن أخبرني أن مادة القواعد في مرحلة (رابعة ابتدائي) شديدة الصعوبة، فلما درستها كانت أسهل مما قيل. أدركت حينها أن كل من يخبرني عن تجربة (مروعة) حدثت على متن الطائرة ربما ليست بالضرورة مروعة بالنسبة لي، وربما بالنسبة لك.. وعلى ذلك فقس.
يوم الأحد، 14 ربيع الآخر 1429 هـ
هناك تعليق واحد:
قل لسعد الكلام هذا ههههههههههههههه
إرسال تعليق