أبو زيفة معقباً على فهد الأحمدي:
قانون الجذب ورسائل البرمجة مخادعة للنفس البشرية
*نشر هذا المقال في جريدة الرياض السعودية يوم 1429.2.4 هـ. تجده على الرابط:
http://www.alriyadh.com/2008/02/11/article316654.html
محمد بن أحمد أبو زيفة
قرأت مقالاً كتبه القلم الرائع للأستاذ فهد عامر الأحمدي في زاويته "حول العالم" تحت عنوان (يبقى الشيء ساكناً حتى تفكر فيه.. فيتحرك باتجاهك)، نُشر في الـ 26من محرم 1429هـ. تطرق الكاتب في مقاله إلى بعض العوامل التي تستشرف المستقبل وتحقق الأهداف، وذلك باستخدام قانون الجذب ورسائل البرمجة اللغوية العصبية الإيجابية. كان لي ثلاثة تحفظات على ذلك المقال: الأول متعلق بقانون الجذب، والثاني متعلق بتسمية البرمجة ب "علم البرمجة اللغوية العصبية"، كما أسماها الدكتور الأحمدي، والثالث أورد فيه نقاشاً منطقياً وعقلانياً لبيان ماهية استخدام قانون الجذب أو الرسائل الإيجابية للبرمجة ومدى ثبوت ذلك من بطلانه.
أقول وبالله التوفيق: كثر الحديث في العالم الغربي، والعربي أيضاً، عن قانون الجذب، على نطاق أوسع في السنوات الأخيرة مما كان عليه من قبل، وتحديداً منذ عام 2006، وهو العام الذي شهد طرح الفيلم "The Secret" لمنتجتهRhonda Byrne ، والذي لاقى انتشاراً واسعاً في الغرب جعل منتجته تقوم بإعادة إصداره في صورة كتاب. يرجع تاريخ هذا القانون، حسب بعض المؤرخين له، إلى الديانات الهندية القديمة، كما أنه حالياً ينتمي لمدرسة الـ "New Thought" الكنيسة المنشأ. كما يلقى هذا القانون اهتماماً وتركيزاً كبيراً في الثيوصوفيا، في تاريخها القديم والحديث. أضف إلى ذلك، فإن هذا القانون، على رأي بعض فلاسفة الغرب، يقوم بربط النفس الدنيا "Low Self" بالنفس العليا "Higher Self"، والأخرى تمثل تجسيد الطاقة التي يستمدها الإنسان من الكواكب، النجوم، الحيوانات، الأرض إلخ، والتي تشكل كينونة الإنسان، أو ال "Real You"، بحسب ظنهم. البرمجة اللغوية العصبية "NLP" أيضاً تستخدم هذا القانون، أحياناً بطرق مباشرة كما في طريقة البذر "Seeding" أو عن طريق الإيحاءات اللغوية والعاطفية التي يقوم بها الشخص.. الموقف لا يسعفني لذكر تفاصيل أكثر عن الطريقتين. وبالنسبة لطريقة عمل هذا القانون، فقد قدم لها الأخ الأحمدي تقديماً موافقاً لما يعرف عنها في الأوساط التي تعنى بهذه الأمور. ولكني سأضيف إلى ذلك نزراً يسيراً عن حقيبة هذا القانون، وهو السبب الذي دفعني بقوة للتعليق على مقال الأحمدي.
يقوم قانون الجذب، كما يعرفه فلاسفة الغرب، على الاعتقاد بأن الطبيعة، أو الكون، أو رموزاً أخرى تشمل الإله لدى البعض، يملكون القدرة على جلب وتقريب ما يبغيه ويتمناه المرء إليه. وفي حال آمن المرء بذلك، فإن ذلك ملزماً بالإيمان بقدرة الطبيعة على تصريف الأقدار، مع تغييب الدور النهائي المتفرد في ذلك، الذي قدر الأقدار كلها، وسيرها بتدبيره - تعالى سبحانه عما يظنون. وبطلان ذلك القانون من هذه الصورة أمر لا يحتاج لدليل. وفي المقابل، ورد في مثل هذا الموضوع في الشريعة الإسلامية ما ينفي وجود متحكم ومقدر في تحقيق الأماني غير الله سبحانه وتعالى. يقول النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تمنى أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه" رواه الطبراني. وأرى أن في هذا الحديث ما يغني المسلم عن قانون الجذب تماماً. وفي التمني كتاب أورده البخاري، وغيره علماء كثر فصلوا فيه بشكل كاف. ولذلك، فإن قانون الجذب، على صورته الحالية في الديانات القديمة، علم النفس العصبي، الميتافيزيقيا، أو حتى في البرمجة اللغوية العصبية، قانون باطل لا أساس له من الصحة، ودليل ذلك الحديث الآنف ذكره وما ورد عن ذلك في التشريع الإسلامي. وأنا هنا لا أشك في اعتقاد أخي الأحمدي أو غيره - وأعوذ بالله أن أكون كذلك، ولكني أردت إيضاح صورة هذا القانون الحقيقية من الناحية العقدية التي غابت عن كثير من الناس.
أما التحفظ الثاني على مقال الأحمدي، فيتعلق بتسمية البرمجة اللغوية العصبية ب "علم البرمجة اللغوية العصبية": سمى الأستاذ الأحمدي، وغيره كثير في العالم العربي البرمجة اللغوية العصبية ب "علم البرمجة اللغوية العصبية". وهذه التسمية، من وجهة نظري، جانبت الصواب. يقول Robert Dilts مؤلف "Encyclopedia of Systemic NLP New Coding" والرجل الثالث بعد مؤسسي البرمجة،" Richard Bandler و John Grinder (1976) ينقص البرمجة نظرية (مستقلة) تقوم عليها". وفي هذا الرأي يشترك مع Dilts الكثير من مدربي دورات البرمجة وأيضاً خبرائها. وأكاديمياً، على حد علمي، فإن البرمجة لم تعتمد حتى الآن كمادة أو منهج يتم تدريسه في الجامعات، محلياً وعالمياً، وذلك لضعف مادتها العلمية وحداثة وجودها، بالإضافة إلى غياب أسس نظرية، أصيلة وفريدة، تقوم عليها. وكنتيجة لواقع البرمجة الحالي، قام William F. Williams مؤلف موسوعة "Encyclopedia of Pseudoscience"، وهي موسوعة تعنى بالعلوم التافهة، قام بإدراج البرمجة اللغوية العصبية من ضمن مجموعة علوم أخرى أدرجها في موسوعته. ومما سبق ذكره، يتضح بشكل جلي أن البرمجة لم ترتق بشكل كاف لأن تصبح علماً مستقلاً بذاته. ولكن، حتى لا يهضم حقها، فإني أعتقد أن التسمية الأنسب بها هي "فن البرمجة اللغوية العصبية" بدلاً من إطلاق تسمية "علم" كما استخدمها الأستاذ الأحمدي وغيره، وأظن أني سمعت بهذه التسمية من قبل.
وفيما يتعلق بنقد البرمجة كفن واهن، فإن المجال يطول لذلك، وليس هذا محله.
وثالثاً، فيما يتعلق بمناقشة قانون الجذب ورسائل البرمجة الإيجابية من الناحية العقلانية والمنطقية، فإن بطلانها، على الوجه الذي أورده الأحمدي، أمر لا شك فيه. فعندما ناقش أخي الأحمدي، وكذا غيره من المهتمين بمهارات الاتصال الذاتي والاجتماعي، فائدة تقديم رسائل إيجابية مستقبلية مثل: "أريد أن أكون ثريا قبل سن الأربعين"، أو شعورية مثل: "اليوم سأكون سعيداً"، إلخ، لم يقدم دليلاً واضحاً وأكيداً على صحة هذه الطريقة.. ولم يكن غيره ممن أسسوا هذا القانون قادرين على إثبات ذلك أيضاً. (تختلف هذه الرسائل عن المحفزات العصبية، مثل: "أنا متسامح"، "ذاكرتي قوية"، "أنا ذكي"، والتي ثبت نفعها وفائدتها بإذن الله). ولو فرضنا جدلاً أن قانون الجذب صحيح، فإن ما نسبته 95%، تقريباً، من إجمالي عدد سكان قارة أفريقيا سيكونون أثرياء حتماً، ذلك أنهم لا بد وأن يكون طموحهم في الحياة الثراء، والصعود فوق خط الفقر.. والأمر نفسه لسكان العالم أجمع. ولو افترضنا أيضاً أن شخصاً ما تمنى يوماً أن يصبح مدرساً لمادة التاريخ، فإنه حتماً لن يتخصص في دراسة الجغرافيا، كتخصص جامعي، في حين سنحت له الفرصة لدراسة التاريخ. كما أن من يسكن الرياض وينوي أداء مناسك العمرة، فإنه سيتوجه إلى مكة المكرمة بدلاً من الدمام! وفي كل الحالات، فعلى الأرجح، فإن من يهم بأداء مهمة ما سيضع خططاً استراتيجية لتحقيقها، أدرك ذلك أم لم يدركه، والأولى أولى وأفضل. وبالنسبة لمدرس التاريخ، فربما لم يحدث أبداً أن استيقظ في صباح يوم دراسي وقال لنفسه: سأصبح مدرساً لمادة التاريخ، ثم عاد لفراشه ونام! وقس على ذلك إرشادات مدربي البرمجة التي تحث الأشخاص على إرسال رسائل إيجابية للنفس البشرية، معتقدين أنها ستغير الواقع الحقيقي لحال المرء، والتي لا تعدو غالباً إلا أن تكون تلاعبات وخدع يخدع المرء بها نفسه ليعيش بمشاعر وأحاسيس اصطناعية مؤقتة تبعده عن واقعه الحقيقي. وللعلم، فالشعور السلبي يكون عادة نذيراً لخطأ ما أثر في عمل النظام العاطفي، ويلزم معالجة أسبابه بدلاً من تخدير الشعور نفسه.
وختاماً، فكل شخص يقوم بتحديد أهداف مستقبلية صحيحة، ويضع الخطط المناسبة للوصول إليها، مضيفاً إلى ذلك الكم الكافي من التوكل والعزيمة والإصرار؛ فإنه حتماً سيحققها، يحكمه في ذلك نجاح أو فشل خططه - طبعاً بعد مشيئة الله سبحانه -، وليس قانون الجذب أو رسائل البرمجة الإيجابية.. والتي، أي قانون الجذب ورسائل البرمجة، لا تعدو سوى أن تكون نتاجاً لما يقوم به العالم الغربي من محاولة لتفسير الظواهر والسنن الإلهية في تدبير الكون، وإخضاعها لقوانين المادة.. ولنا في ديننا الإسلامي ما يغني عن ذلك كله، مثل الفروض الخمسة، الأذكار، التسامح، التفاؤل، البناء، إلخ.
وإن أصبت في طرحي هذا فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
محمد بن أحمد أبو زيفة
@ مدرب وممارس معتمد للبرمجة اللغوية العصبية منThe Tad James Co, Sydney, Australia
تعليق المؤلف عبد الله العجيري، مؤلف كتاب خرافة السر، احد الكتب الأكثر مبيعا والذي أبطل فيه خرافة "قانون الجذب"
الأخ الكريم محمد أبو زيفة .. وفقه الله في الدنيا والآخرة ..
قد اطلعتُ على ما كتبتَ فسرني ما كتبت .. أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك .. والله يرعاك.
هناك 18 تعليقًا:
How nice to apply what you have read and learnt. Well done man. It is a good comment.
Comment by:
Ahmed Abdel Raouf
ما شاء الله تبارك الله
بصراحة رد منطقي ورائع جدا
comment by:
عمر الشهري
برافو عليك، لا فض فوك.. علقت عالموضوع في موقع الرياض.. أتمنى ينشروه
م. عبد العزيز العريج
ممتاز يابو أحمد ونسأل الله لك الأجر والثواب
Comment by:
عبد الله العتيبي
الأخ محمد السلام عليكم ورحة الله وبركاته
كان مما يسر الخاطر ويثلج الصدر أن أرى مثل هذا المقال الرائع وقد سبق أن قرأت المقال في جريدة الرياض صفحة 37
إلى مزيد من الإبداع أخ محمد
Comment by:
عبد الله العمري
عليك وياهم يا مسكتهم
أحسن شيء إن الواحد يتكلم وهو عارف وملم بما يتكلم فيه
لا فض فوك
Comment by:
عبد الله القحطاني
جزاك الله خير ابو أحمد على هذا الرد الوافي وجعله في موازين حسناتك
تفضل الحديث من مصدره
1266 - " إذا تمنى أحدكم فليستكثر ، فإنما يسأل ربه عز وجل " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 263 :
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " ( ق 193 / 1 - مصورة المكتب )
أنبأنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين . و الحديث عزاه السيوطي لأوسط
الطبراني ، قال المناوي : " و رمز لحسنه و هو تقصير أو قصور و حقه الرمز لصحته
، فقد قال الحافظ و الهيثمي و غيره : رجاله رجال الصحيح " .
قلت : لا يلزم من هذا القول صحة الإسناد لاحتمال أن يكون فيه علة تمنع الصحة
كالانقطاع و التدليس و نحوه كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم الشريف أما
إسناد ابن حميد هذا فلا نعلم له علة ، و قد توبع عبيد الله بن موسى عن سفيان به
نحوه كما يأتي ( 1325 ) .
Comment by:
عبد الرحيم أبو زيفة
Assalam Alaikum Muhamed,
Thank you for clarifying this and may Allah Almighty bless you.
Regards,
Comment by:
Abdullah Al Faifi
ادا كان روادnlp anr the secret attraction يعتقدون بصحة والفعالية المدهشةل فلما ترى مدرسوهايتسولون بدوراتهم ولمدا فشل باندلر شمهروش السحرة الجدد في معالجة سمنثه انا لا اهاجمه فقط هو يهوى المرح ويعتقد بجدية ان الجدية مضرة .
كلام جميل جدا
اوافقك تماما فالتمني لا يجلب شيئا. الأماني تشفع بعمل يناسب مقامها ومقدارها.
يوجد شريط في التسجيلات- مهارات التفكير عند المسلمين- لأحد المشايخ الفضلاء تحدث عن هذا الموضوع.
لكن لو اختصرت الرد لكان افضل من وجهة نظري
سلمت يداك على هذا التوضيح العلمي والادبي
كلام رائع ومقنع جدا ويكفي قول الرسول صلى الله علية وسلم (تفائلو بالخير تجدوة )هذا قمة الجذب وياليت تفيدوني بأيميل الكاتب
الأستاذ الفاضل
هل لك بأن تخبرني ماإذا كان بإمكان البرمجة العصبية التأثير في مسألة إنقاص الوزن ؟
ولا تستغرب لأنني سمعت بأنه يمكن لأي شخص أن يحقق مراده و ينجح في أهدافه يإيحاءات ورسائل إيجابية يرددها بين الفينة والأخرى
لا فض فوك..
فعلاً أضافة كبيرة أفادتني شخصياً بشكل كبير، وبالتأكيد ستعيد الأمور إلى نصابها للكثير ممن بالغوا في فاعلية البرمجة اللغوية العصبية، وأنها الحل لجميع المشاكل.
بارك الله فيك أستاذي وأخي محمد.
عبدالعزيز العريج
أبوعمر
ام عدنان..
هذا ليس حديث.. وخير البر عاجلة.
"ولنا في ديننا الإسلامي ما يغني عن ذلك كله" هذا لب القول بعد شكر مجهود الأستاذ محمد، والمجهود الدءوب للأستاذ الكبير فهد الأحمدي.
"أنا عند حسن ظن عبدي بي إن ظن خيراً فهو له، وإن ظن شر فله" هي أعظم رسالة في الإيجابية وشحذ الهمة من رب العالمين، وخالق الناس ورازقهم، وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فهل من مدكر؟
أخي الدكتور خالد رد على سؤالك البرمجة العصبية هى النية والإرادة لكل شئ تصلح لوة نويت ؟ حتى إنقاص الوزن وغيره ولكن لو كان الوزن ناتج لعلاج.مثل حبوب حالة نفسية أو كرتزون أو أي علاج يساعد على زيادة الوزن تفشل البرمجة ولا تنجح إلا بعد تركك مسببات الوزن.وحتى صلاة التهجد والصبح تقومها بالإرادة والنية حتى لو لا يوجد ساعة تقرأ آية الكرسي 3 مع أواخر سورة الكهف قل لو كان البحر مداد.إلى آخر السورة. وشكر لكاتبنا الذي عقب على أجمل كاتب وأرقى موضوع من مبدع!
الأخ الكريم محمد أبو زيفة .. وفقه الله في الدنيا والآخرة ..
قد اطلعتُ على ما كتبتَ فسرني ما كتبت .. أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك .. والله يرعاك
عبد الله العجيري
مؤلف كتاب خرافة السر، 1430/2009
لتحميل الكتاب
http://islamselect.com/themes/secret/secret-book.pdf
إرسال تعليق