السلام عليكم.. صبحكم الله بالخير ورزقكم في يومكم هذا خيرا لا ينقطع أبدا..🌹
يقول خالق كل شيء:
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
(الإسراء، ٣٤)
وهنا أيضاً يقول الحق سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ.. }
ولم يقل: ولا تأكلوا مال اليتيم ليحذرنا من مجرد الاقتراب، أو التفكير في التعدِّي عليه؛ لأن اليُتْم مظهر من مظاهر الضعف لا صح أنْ تجترئَ عليه.
و{ٱلْيَتِيمِ} هو مَنْ مات أبوه وهو لم يبلغَ مبلغ الرجال وهو سِنْ الرُّشْد.
إذن: إنْ وجد اليتيم في المجتمع عِوَضاً عن أبيه عَطْفاً وحناناً ورعاية يرضى بما قُدِّر له، ولا يتأبَّى على قدر الله، وكذلك تطمئن النفس البشرية إنْ قُدِّر عليها اليُتْم في أولادها.
***
ثم يقول تعالى: {إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...}
هذا استثناء من الحكم السابق {وَلاَ تَقْرَبُواْ...} يبيح لنا أن نقرب مال اليتيم، ولكن بالتي هي أحسن.
و{أَحْسَنُ}، "أفعل"، تفضيل تدل على الزيادة في الإحسان، فكأن لدينا صفتين ممدوحتين: حسنة وأحسن، وكأن المعنى: لا تقربوا مال اليتيم بالطريقة الحسنة فحسب، بل بالطريقة الأحسن. فما الطريقة الحسنة؟ وما الطريقة الأحسن؟
الطريقة الحسنة: أنك حين تقرب مال اليتيم لا تُبدده ولا تتعدَّى عليه. لكن الأحسن: أنْ تُنمي له هذا المال وتُثمّره وتحفظه له، إلى أن يكون أَهْلاً للتصرّف فيه.
***
لذلك فالحق سبحانه حينما تكلم عن هذه المسألة قال:
{وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا}
[النساء: 5]
ولم يقل: وارزقوهم منها؛ لأن الرزق منها يُنقِصها، لكن معنى:
{وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا}
أي: من ريعها وربحها، وليس من رأس المال.
وإلاَّ لو تصوّرنا أن أحد الأوصياء على الأيتام عنده مال ليتيم، وأخذ ينفق عليه من هذا المال، ويُخرج منه الزكاة وخلافه، فسوف ينتهي هذا المال ويبلغ اليتيم مبلغ الرُّشْد فَلا يجد من ماله شيئاً يُعتَدُّ به.
***
والحق سبحانه وتعالى يريد ألاَّ يحرم اليتيم من خبرة أصحاب الخبرة والصلاحية الاقتصادية وإدارة الأموال، فقد يكون من هؤلاء مَنْ ليس لديه مال يعمل فيه، فليعمل في مال اليتيم ويُديره له ويُنمّيه، وليأكل منه بالمعروف، وإنْ كان غنياً فليستعفف عنه؛ لأنه لا يحلّ له، يقول تعالى:
{ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف...}
[النساء: 6]
لأن الإنسان إذا كان عنده خبرة في إدارة الأموال ولديْه الصلاحية فلا نُعطِّل هذه الخبرة، ولا نحرم منها اليتيم.
***
ثم يقول تعالى: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..}
أي: حتى يكبر ويبلغ مبلغ الرجال.
في الحقيقة، أن هذه الصفة غير كافية لنُسلّم له ماله يتصرف فيه بمعرفته؛ لأنه قد يكون مع كِبَر سِنّه سفيهاً لا يُحسِن التصرُّف، فلا يجوز أن نتركَ له المال لِيُبدّده، بدليل قوله تعالى:
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ...}
[النساء: 6]
وقال في آية أخرى:
{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}
[النساء: 5]
ولم يقل: أموالهم، لأن السفيه ليس له مال، وليس له ملكية، والمال مال وليه الذي يحافظ عليه ويُنمّيه له.
**
ثم يقول تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا}.. {ٱلْعَهْدَ} ما تعاقد الإنسان عليه مع غيره عقداً اختيارياً يلتزم هو بنتائجه ومطلوباته، وأول عقد أُبرٍمَ هو العَقْد الإيماني الذي أخذه الله تعالى علينا جميعاً، وأنت حُرٌّ في أن تدخل على الإيمان بذاتك مختاراً أو لا تدخل، لكن حين تدخل إلى الإيمان مُخْتاراً يجب أن تلتزم بعهد الإيمان.
***
ومن باطن هذا العهد الإيماني تنشأ كل العقود، لذلك يجب الوفاء بالعهود؛ لأن الوفاء بها جزء من الإيمان، فأنت حُرٌّ أن تقابل فلاناً أولا تقابله، إنما إذا عاهدتَه على المقابلة فقد أصبحتَ مُلْزماً بالوفاء؛ لأن المقابل لك قد رتَّبَ نفسه على أساس هذا اللقاء، فإنْ أخلفتَ معه العهد فكأنك أطلقتَ لنفسه حرية الحركة، وقيَّدتَ حركة الآخر.
وهذه صفة لا تليق أبداً بالمؤمنين، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من صفات المنافقين.
وقوله: {إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}
قد يكون المعنى: أي مسئولاً عنه، فيسأل كل إنسان عن عهده أوفَّى به أم أخلفه؟
***
ولأهمية العهد في الإسلام نجده ينعقد بمجرد الكلمة، وليس من الضروري أن يُسجَّل في سجلات رسمية؛ لأن المؤمن تثق في كلمته حتى إن لم تُوثَّق وتكتب.
*من خواطر الشعراوي، رحمه الله ورحمنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق