السلام عليكم ورحمة الله..
يقول الله تعالى في محكم التنزيل:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[النور: ٢]
ابتداء الكلام، وهو كالعنوان والترجمة في التبويب، فلذلك أتي بعده بالفاء المؤذنة بأن ما بعدها في قوة الجواب، وأن ما قبلها في قوة الشرط. فالتقدير: الزانية والزاني مما أنزلت له هذه السورة وفرضت [أي سورة النور].
ولما كان هذا يستدعي استشراف السامع كان الكلام في قوة: إن أردتم حكمهما فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. وتقدم زيادة الفاء في قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} في سورة العقود.
ثم يجوز أن تكون قصة مرثد بن أبي مرثد النازل فيها قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة... الآية}، هي سبب نزول أول هذه السورة [وذلك عندما استئذن النبي، صلى الله عليه وسلم، في الزواج من بغي اسمها "عناق"، فلم يأذن له]. فتكون آية {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} [الآية ٣] هي المقصد الأول من هذه السورة، ويكون قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [الآية ٢] تمهيدا ومقدمة للآية التي تلتها مباشرة [الآية ٣]؛ فإن تشنيع حال البغايا [الزانيات] جدير بأن يقدم قبله ما هو أجدر بالتشريع، وهو عقوبة فاعل الزنى. ذلك أن مرثد ما بعثه على الرغبة في تزوج "عناق" إلا ما عرضته عليه من أن يزني معها.
وقدم ذكر (الزانية) على (الزاني) في الآية للاهتمام بالحكم؛ لأن المرأة هي الباعث على زنى الرجل وبمساعدتها الرجل يحصل الزنى، ولو منعت المرأة نفسها ما وجد الرجل إلى الزنى تمكينا، فتقديم المرأة في الذكر؛ لأنه أشد في تحذيرها. وقوله تعالى: { كل واحد منهما} للدلالة على أنه ليس أحدهما بأولى بالعقوبة من الآخر.
*من تفسير ابن عاشور، رحمه الله
***
قوله تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ} أي لا تمتنعوا عن إقامة الحدود شفقةً على المحدود، ولا تخففوا الضرب من غير إيجاع؛ هذا قول جماعة أهل التفسير. وقال الشَّعْبِيّ والنَّخَعِيّ وسعيد بن جُبير: «لا تأخذكم بِهِما رأفةٌ» قالوا في الضرب والجلد. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: إقامة حدّ بأرضٍ خيرٌ لأهلها من مطر أربعين ليلة؛ ثم قرأ هذه الآية.
ثم قرّرهم الله تعالى على معنى التثبيت والحضّ بقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ}. وهذا كما تقول لرجل تحضّه: إن كنت رَجلاً فافعل كذا! أي هذه أفعال الرجال.
وقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} قيل: لا يشهد التعذيب إلا من لا يستحق التأديب. قال مجاهد: رَجُلٌ فما فوقه إلى ألف. وقال ابن زيد: لا بدّ من حضور أربعة قياساً على الشهادة على الزنى، وأن هذا باب منه.
*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
[ونقلا عن فتوى من موقع الإسلام اليوم، فإن "الزنا الذي يوجب الحد هـو مغيب الحشفة ـ وهي رأس الذكر ـ في الفرج، فإن كان الزاني بكراً ( لم يتزوج) جلد مائة وغرب عاماً، وإن كان ثيباً وهو الذي سبق له أن تزوج زواجاً صحيحاً ودخل، فحده الرجم بالحجـارة حتى الموت.
ولا يعني هذا أن ما سوى ذلك من ملامسة أو ضم أو تقبيل أو نظر محرم لا يسمى زناً، بل إنه زنا، وفاعله آثم إثماً كبيراً إن لم يتب منه ويستغفر الله تعالى، والله غفور رحيم."]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق