السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..🌹
بيان القصة كما في الأحاديث الصحيحة:
"عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معه، قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، وخرجت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذن بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره (عبد الله بن أبي بن سلول).
فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمناها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اللطف الذي أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم؟" فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت [شُفيت] وخرجت معي أم مسطح قِبَل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلاّ ليلاً إلى ليل؛ وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه في البرية، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح ... وابنها مسطح بن أثاثة، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم أم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: بئسما قلت، تسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: أي هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلم، ثم قال: "كيف تيكم؟" فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه، لماذا يتحدث الناس به؟ فقالت أي بنية، هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلاّ أكثرن عليها، قالت، فقلت: سبحان الله، وقد تحدث الناس بها؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي.
قالت: فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (علي بن أبي طالب) و (أسامة بن زيد) حين استلبث الوحي، يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال أسامة: يا رسول الله، أهلك ولا نعلم إلاّ خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر، قالت: فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بريرة فقال: "أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟" فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله.
فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر: "يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي"، ... قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذا استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء. قالت: فتشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين جلس، ثم قال: "أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: والله لقد علمت، لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقونني، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتُصَدِّقُني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلاّ كما قال أبو يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}. قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت وأنا والله أعلم حينئذٍ أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن: والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحيٌ يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فوالله ما رام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتى أنزل الله تعالى على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت: فسري عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: "أبشري يا عائشة، أما الله عزَّ وجلَّ فقد برأك".
قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلاّ الله عزَّ وجلَّ، هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله عزَّ وجلَّ: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم...} العشر آيات كلها [الآيات بدءا من النور: ١١]."
*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق