السلام عليكم، طبتم وطاب صباحكم.
يقول الحق تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}
(الممتحنة، ١)
كان حاطب بن أبي بَلْتَعَة رجلاً من أهل اليمن، وكان له حِلْف بمكة في بني أسد بن عبد العُزَّى رَهْطِ الزبير بن العوام. وقيل: كان حليفاً للزبير بن العوّام، فقدمت من مكة سارّة، مولاة أبي عمرو بن صَيْفيّ بن هشام بن عبد مناف، إلى المدينة ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يتجهّز لفتح مكة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمُهاجرة جئت يا سارة؟"
فقالت: لا.
قال: "أمسلمة جئت؟"
قالت: لا.
قال: "ما جاء بك؟"
قالت: كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة، وقد ذهب الموالي ـ تعني قُتلوا يوم بدر ـ وقد احتجتُ حاجةً شديدة فقدِمت عليكم لتعطوني وتكسوني؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "فأين أنتِ عن شباب أهل مكة؟" وكانت مغنية، قالت: ما طُلب منِّي شيء بعد وقعة بدر. فحثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها؛ فكسَوْها وأعطوها وحملُوها فخرجت إلى مكة. وأتاها حاطب فقال: أعطيك عشرة دنانير وبُرُداً على أن تبلِّغي هذا الكتاب إلى أهل مكة. وكتب في الكتاب:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حِذْركم". فخرجت سارّة، ونزل جبريل فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث علياً والزبير وأبا مَرْثَد الغَنَوِيّ. وفي رواية: عليّا والزبير والمِقْداد...، وكانوا كلهم فرساناً ـ وقال لهم: "انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَة خاخٍ فإن بها ظعينة - [أي المرأة المرتحلة، سارة] - ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلُّوا سبيلها فإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها" فأدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت ما معها كتاب، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتابا، فهمُّوا بالرجوع فقال عليّ: والله ما كَذَبَنا ولا كَذَّبْنَا! وسَلَّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأجردنّكِ ولأضرِبَنّ عنقكِ، فلما رأت الجِدّ أخرجته من ذؤابتها ـ وفي رواية من حُجْزَتها [وفي رواية أخرى: "فأخرجته من عقاصها": أي من شعرها المضفور] ـ فخلّوْا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأرسل إلى حاطب فقال: "هل تعرف الكتاب؟" قال: نعم."
[وورد في رواية للأئمة واللفظ لمسلم]: قال لا تعجل عليّ يا رسول الله، إني كنت امرأً مُلْصَقاً في قريش ـ قال سفيان: كان حَلِيفاً لهم، ولم يكن من أنْفُسِها ـ وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يَحْمُون بها أهليهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النَّسَب فيهم أن أتّخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «صَدَق». فقال عمر: دَعْني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: "إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة.. الآية}.
*من تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، رحمه الله ورحمنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق