السلام عليكم. طيب الله صباحكم.
يقول الحق تبارك وتعالى:
{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}
الإسراء، ٥٣
يقول الشعراوي في خواطره:
سبق أنْ أوضحنا الفرق بين عبيد وعباد، وأنهما جَمْع عبد، لكن عبيد تدل على مَنْ خضع لسيّده في الأمور القهرية، وتمرَّد عليه في الأمور الاختيارية، أما عباد فتدلّ على مَنْ خضع لسيده في كُلِّ أموره القهرية والاختيارية، وفضَّل مراد الله على مُرَاده، وعنهم قال تعالى:
{وعباد الرحمٰن الذين يمشون على الأرض هونا... الآية} [الفرقان، ٦٣]
وهذا الفَرْق قائم بينهما في الدنيا دون الآخرة، حيث في الآخرة تنحلّ صفة الاختيار التي بنينا عليها التفرقة، وبذلك يتساوى الجميع في الآخرة، فكلهم عبيد وعباد؛ لذلك قال تعالى في الآخرة للشيطان:
{أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} [الفرقان، ١٧]
فسمَّاهم عباداً رغم ضلالهم وكفرهم.
***
وقوله تعالى: {يقولوا التي هي أحسن}
أي: العبارة التي هي أحسن، وكذلك الفِعْل الذي هو أحسن. والمعنى: قُلْ لعبادي: قولوا التي هي أحسن؛ لأنهم مُؤتمرون بأمرك مُصدِّقون لكَ.
و {التي هي أحسن} تعني: الأحسن الأعلى الذي تتشقَّق منه كُل أَحْسَنيات الحياة، والأحسن هو الإيمان بالله بشهادة أن لا إله إلا الله، هذه أحسن الأشياء وأولها، لذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: "خَيْرُ ما قُلْتُه أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله".
لأن من باطنها ينبتُ كل حسن، فهي الأحسن والكبيرة؛ لأنك ما دُمْتَ تؤمن بالله فلن تتلقّى إلا عنه، ولن تخاف إلا منه، ولن ترجوَ إلا هو، وهكذا يحسُن أمرك كلُّه في الدنيا والآخرة.
***
ويمكن أن نقول {التي هي أحسن} الأحسن هو: كل كلمة خير، أو الأحسن هو: الجدل بالتي هي أحسن، كما قال تعالى:
{وجادلهم بالتي هي أحسن}
[النحل: 125]
أو نقول: الأحسن يعني التمييز بين الأقوال المتناقضة وفَرْزها أمام العقل، ثم نختار الأحسن منها، فنقول به.
***
لذلك إذا رأيتَ شخصين يتنازعان لا صِلَة لك بهما، ولكن ضايقك هذا النزاع، فما عليك إلا أنْ تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثاً، وأتحدّى أن يستمر النزاع بعدها، إنها الماء البارد الذي يُطفئ نار الغضب، ويطرد الشيطان فتهدأ النفوس.
***
تلاحظ أن نَزْغ الشيطان لا يقتصر على المتخاصمين والمتجادلين حول مبدأ ديني عقدي، بل ينزغ بين الإخوة والأهل والأحبة، ألم يَقُل يوسف:
{من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}
[يوسف: 100]
لقد دخل الشيطان بين أولاد النبوة، وزرع الخلاف حتى بين الأسباط وفيهم رائحة النبوة، ولذلك لم يتصاعد فيهم الشر، وهذا دليل على خَيْريتهم، وأنت تستطيع أنْ تُميِّّز بين الخيِّر والشرير، فتجد الخيِّر يهدد بلسانه بأعنف الأشياء، ثم يتضاءل إلى أهون الأشياء، على عكس الشرير تراه يُهدد بأهونِ الأشياء، ثم يتصاعد إلى أعنف ما يكون. انظر إلى قوْل إخوة يوسف، عليه السلام:
{اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا}
[يوسف: 9]
فقال الآخر وكان أميل إلى الرفق به:
{وألقوه في غيٰبت الجب}
[يوسف: 10]
وقد اقترح هذا الاقتراح وفي نيته النجاة لأخيه، بدليل قوله تعالى:
{يلتقطه بعض السيارة}
[يوسف: 10]
وهكذا تضاءل الشر في نفوسهم.
***
ويقول القرطبي في الجامع لأحكام القرآن:
في الخبر: (أن قوما جلسوا يذكرون الله عز وجل، فجاء الشيطان ليقطع مجلسهم فمنعته الملائكة. فجاء إلى قوم جلسوا قريبا منهم لا يذكرون الله، فحرش بينهم، فتخاصموا وتواثبوا.. فقال هؤلاء الذاكرون: قوموا بنا نصلح بين إخواننا. فقاموا وقطعوا مجلسهم وفرح بذلك الشيطان). فهذا من بعض عداوته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق