السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..
يقول الله رب العالمين:
{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أَن تكونا ملكين أَو تكونا من الخالدين • وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين - [إلى قوله تعالى] - قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
(الأعراف، ٢٠-٢٣)
يذكر تعالى أنه أباح لآدم عليه السلام ولزوجته حواء عليها السلام الجنة أن يأكلا من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة، فعند ذلك حسدهما الشيطان، وسعى في المكر والوسوسة والخديعة ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن وقال كذباً وافتراء: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} أي لئلا تكونا ملكين أو خالدين ها هنا، ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما، كقوله: {قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} أي لئلا تكونا ملكين.
{وقاسمهما} أي حلف لهما باللّه {إني لكما لمن الناصحين}، أي حلف لهما باللّه على ذلك حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن باللّه، وقال قتادة في الآية: حلف باللّه إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما، وكان بعض أهل العلم يقول: من خدعنا باللّه انخدعنا له.
***
وعن ابن عباس قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين، يلزقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم عليه السلام مولياً في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من الجنة، فناداه الله: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا، ولكني أستحييك يا رب، قال: أما كان لك فيما منحتك وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحداً يحلف بك كاذباً، قال: وهو قول الله عزّ وجلّ
{وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ}. قال الله تعالى: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كداً قال: فاهبط من الجنة، وكانا يأكلان منها رغداً فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب، فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث، فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسه ثم ذراه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ} قال: ورق التين، وقال مجاهد: جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة كهيئة الثوب.
وقال قتادة: قال آدم: أي رب أرأيت إن تبت واستغفرت، قال: إذاً أدخلك الجنة، وأما إبليس فلم يسأله التوبة وسأله النظرة، فأعطى كل واحد منهما الذي سأله. وقال ابن جرير عن ابن عباس قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني، قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كُرهاً، ولا تضع إلا كُرهاً، قال: فرنت عند ذلك حواء، فقيل لها: الرنة عليك وعلى ولدك؛ وقال الضحاك بن مزاحم في قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ} هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه [فتاب عليه].
*من تفسير ابن كثير، رحمه الله
***
ويقول القرطبي في قوله تعالى: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا}، أكلت حوّاء أوّلاً فلم يصبها شيء؛ فلما أكل آدم حلّت العقوبة. قال ابن عباس: تقلّص النورُ الذي كان لباسهما فصار أظفاراً في الأيدي والأرجل.
ويروىٰ أن آدم عليه السلام لما بدت سوأته وظهرت عورته طاف على أشجار الجنة يَسُلّ منها ورقة يغطي بها عورته؛ فزجرته أشجار الجنة حتى رحمته شجرة التِّين فأعطته ورقة. فـ {طَفِقَا} يعني آدم وحواء {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} فكافأ الله التين بأن سوّىٰ ظاهره وباطنه في الحلاوة والمنفعة، وأعطاه ثمرتين في عام واحد مرتين.
*من تفسير القرطبي، رحمنا الله ورحمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق