الأربعاء، 2 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) الإسراء، ١٠٥

السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..🌹

يقول الحق تبارك وتعالى:

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ
(الإسراء، 105)

[الجزء الأول]
قال بعض المفسرين:
أنزلناه نأمر فيه بالعدل والإنصاف والأخلاق الجميلة، والأمور المستحسنة الحميدة، وننهى فيه عن الظلم والأمور القبيحة، والأخلاق الرديئة، والأفعال الذّميمة، {وبِالْحَقِّ نزلَ} يقول: وبذلك نزل من عند الله على نبيّه محمد، صلى الله عليه وسلم. (تفسير الطبري)

و قال بعضهم:
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز، وهو القرآن المجيد، أنه بالحق نزل، أي: متضمنًا للحق، كما قال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزلَ إِلَيْكَ أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] أي: متضمناً علم الله الذي أراد أن يُطْلِعكم عليه، من أحكامه وأمره ونهيه.

وقوله: {وَبِالْحَقِّ نزلَ} أي: ووصل إليك -يا محمد -محفوظًا محروسًا، لم يُشَب بغيره، ولا زِيدَ فيه ولا نُقص منه، بل وصل إليك بالحق، فإنه نزل به شديد القُوى، القَوِيّ الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى [جبريل، عليه السلام]. (تفسير ابن كثير)

وورد في بعض كتب التفسير:
{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبساً بالحق المقتضي لإنزاله، وما نزل على الرسول إلا ملتبساً بالحق الذي اشتمل عليه. وقيل: وما أنزلناه من السماء إلا محفوظاً بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين. ولعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر وآخره. (تفسير البيضاوي)
***
ثانياً: الفرق بين "نزل"، "أنزل"، "النزول" و"التنزيل"

أنزلناه: فعل متعدي من نزل
أنزل: أحل شيء مكان شيء
نزل: حل في مكان وآوى إليه

وقد تأتي "أنزل" بمعنى انحدر من علو إلى سفل و قد تأتي "نزل" بمعنى تحريك الشيء من علو إلى سفل.

فمثال الأول، قوله تعالى: "أنزل من السماء ماء" [النحل: 65]

ومثال الثاني: نزل فلان من الجبل
(مناهل العرفان) 

و"نزل": النزول بالضم وهو في الأصل انحطاط من علو.

وكان أبو عمر يفرق بين نزّلت وأنزلت ولم يذكر وجه الفرق. قال أبو الحسن: لا فرق عندي بينهما إلا صيغة التكثير في نزّلت والتنزيل تدريجي، والإنزال دفعي [دفعة واحدة]. وقال المصنف في البصائر تبعا للراغب و غيره: الفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن "التنزيل يختص بالوضع الذي يشير إلى إنزاله متفرقاً منجماً، مرة بعد أخرى، والإنزال عام."

قال تعالى: {لولا نزلت سورة} [محمد: 20]

و قال أيضا في نفس الآية: {فإذا أنزلت سورة} [محمد: 20]

و"التنزيل" الترتيب و"التنزل" النزول في مهلة. (تاج العروس، لسان العرب)

وقد يكون الإنزال دون التنزيل، كما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]

وقد يكون إنزال الشيء بنفسه، كما في قوله تعالى: {ونزلنا من السماء ماء} [المؤمنون: 18]

وقد يكون بإنزال أسبابه والهداية، كما في قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} [الحديد: 25]                                                    (مناهل العرفان)
***
وعليه تكون مجمل المعاني لـ "نزل تنزيلاً" و"أنزل إنزالاً" هي:

المعنى الأول: "أنزل" أحل شيء مكان شيء و"نزل" حل في مكان وآوى إليه، وعليه يكون معنى الآية والله أعلم.

بالحق أنزلناه: أي أحللنا القرآن العظيم مكان الكتب السماوية السابقة فكان خاتماً وناسخاً لها ومؤيداً لها بالعقيدة والأخلاق ووحدة المصدر: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19]

وبالحق نزل: أي أن هذا التشريع العظيم الذي جاء به القرآن الكريم قد حلّ وآوى في هذه البقعة من العالم وفي هذه الفترة الزمنية ليكون هداية للناس بعدما ضلت فترة من الزمن.
***
المعنى الثاني: نزل وأنزل بنفس المعنى، وتعني تحرك الشيء وانحداره من علو إلى سفل، وعليه يكون معنى الآية و الله أعلم.

بالحق أنزلناه: أي أن القرآن العظيم في علو إذ لا يقدر أحد على تحريفه أو الطعن فيه أو الإتيان بمثله أو تحديه.

و بالحق نزل: أي أن هذا التشريع وهذا الدين هو في علو  لأنه أسمى وأطهر وأفضل للناس مما كانوا عليه، فأثبت لهم ما كان من الأخلاق الفاضلة وبدّل لهم أخلاقهم السيئة واعتقاداتهم الخاطئة.
***
المعنى الثالث: "التنزيل" و"الإنزال"

التنزيل تدريجي وهو النزول في مهلة والإنزال دفعي، وهذا يتناسب مع الآيات التي ذكر فيها التنزيل و الإنزال.. قال تعالى: {[نزل] عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه [وأنزل] التوراة والإنجيل} [آل عمران: 3]

فقد خص القرآن بالتنزيل لنزوله منجماً.

وفي قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}  [القدر: 1]

فالمراد إنزاله إلى السماء الدنيا دفعة واحدة، ثم تنزيله منجماً على النبي، محمد صلى الله عليه وسلم، في ثلاثة و عشرين سنة.

*من مقال للأستاذ حسام جمعة معاون

ليست هناك تعليقات: