الاثنين، 7 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) الإسراء، ١١٠

السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول الله عز وجل في الآية قبل الأخيرة من سورة الإسراء:

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا
 (الإسراء، ١١٠)

يقول تعالى:
{قُلِ} يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عزّ وجلّ، المانعين من تسميته بالرحمٰن، {ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ} أي لا فرق بين دعائكم له باسم {ٱللَّهَ} أو باسم {ٱلرَّحْمَـٰنَ} فإنه ذو الأسماء الحسنى، كما قال تعالى: 
{لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ}
[الحشر: 24] الآية.

وقد روى مكحول أن رجلاً من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده:
"يا رحمن يا رحيم"،
فقال إنه يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين فأنزل الله هذه الآية، وكذا روي عن ابن عباس رواهما ابن جرير.
***
[وذكر القرطبي، رحمه الله، في تفسيره عن سبب نزول هذه الآية:

قال مكحول:
"تهجّد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة فقال في دعائه: «يا رحمن يا رحيم» فسمعه رجل من المشركين، وكان باليمامة رجل يسمى الرحمن، فقال ذلك السامع: ما بال محمد يدعو رحمان اليمامة "
فنزلت الآية مبيِّنة أنهما اسمان لمسمّى واحد؛ فإن دعوتموه بالله فهو ذاك، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذاك.

وقيل: كانوا يكتبون في صدر الكتب: باسمك اللهم؛ فنزلت {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ} فكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال المشركون: هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؛ فنزلت الآية. وقيل: إن اليهود قالت: ما لنا لا نسمع في القرآن اسما هو في التوراة كثير. يعنون الرحمن؛ فنزلت الآية.]
***
وقوله: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة، {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فلما سمع ذلك المشركين سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به، قال فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن، {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك، {وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً}.

وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعض ما يتلو وهو يصلي، استرق السمع منهم دونهم فرقاً منهم. فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع، فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً، فأنزل الله {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} فيتفرقوا عنك {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} أي فلا يسمع من أراد أن يسمع فينتفع به، {وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً}.

وقال ابن جرير، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي عزّ وجلّ وقد علم حاجتي، فقيل: أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت، فلما نزلت: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً} قيل لأبي بكر: ارفع شيئاً، وقيل لعمر: اخفض شيئاً.

*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه

ليست هناك تعليقات: