سورة الأعراف من أطول السور المكية. قال الزركشي في (البرهان في علوم القرآن): سورة الأعراف مكية إلا ثلاث آيات: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ...} إلى قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ...}.
وهي أول سورة عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء من بداية خلق آدم عليه السلام إلى نهاية الخلق، مروراً بنوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى، عليهم وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام [تم إيراد قصصهم في سورة الأنعام بشكل موجز بينما فُصِلت في الأعراف].
والسورة تجسد الصراع الدائم بين الحق والباطل وكيف أن الباطل يؤدي إلى الفساد في الأرض. وفي قصص كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في السورة تظهر لنا الصراع بين الخير والشر وبيان كيد إبليس لآدم وذريته؛ لذا وجه الله تعالى أربعة نداءات متتالية لأبناء آدم بـ (يابني آدم) ليحذرهم من عدوهم الذي وسوس لأبيهم آدم حتى أوقعه في المخالفة لأمر الله تعالى:
النداء الأول:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا}
النداء الثاني:
{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}
النداء الثالث:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
النداء الرايع:
{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي}
كما تعرضت السورة الكريمة إلى أصناف البشر فهم على مرّ العصور، وهم ثلاثة أصناف: ١) المؤمنون الطائعون، ٢) العصاة، ٣) والسلبيون الذين هم مقتنعون لكنهم لا ينفذون، إما بدافع الخجل أو اللامبالاة وعدم الإكتراث.
وسميت السورة (الأعراف) لورود ذكر اسم الأعراف فيها وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما وروى جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله تعالى فيهم.
[نماذج من السورة]
• النموذج الأول من صراع الحق والباطل: قصة آدم عليه السلام مع ابليس ويبين لنا تعالى في هذه القصة كما في باقي السورة كيف أن الحق ينتصر في النهاية على الباطل.
• عرض يوم القيامة وقصة أصحاب الأعراف: (الآيات 44 -51) تذكر الآيات قصة أصحاب الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم وبقوا على الأعراف ينتظرون حكم الله تعالى فيهم. والأعراف قنطرة عالية على شكل عرف بين الجنة والنار والمكث عليها مؤقت، لأن في الآخرة الناس إما في النار أو في الجنة. وأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله تعالى فيهم.
•عرض نماذج من صراع الحق والباطل عبر قصص الأنبياء على مر العصور.
•مقارنة بين الحسم والتردد في قصة موسى وفرعون والسحرة.
•قصة أهل السبت: وكيف تحايلوا على الله تعالى لأنهم لم يحسموا مواقفهم بالتسليم الكلي لله وتطبيق ما يعتقدونه عملياً حتى يكونوا من الفائزين، لكنهم كانوا يعتقدون شيئاً ويمارسون شيئاً آخر.
•فئات بني إسرائيل: عرضت السورة فئات بني إسرائيل الثلاثة، فهم إما: عصاة، أو مؤمنون ينهون عن المعاصي، وإما متفرجون سلبيون وهذه الفئات موجودة في كل المجتمعات.
ولعل الغفلة هي من أهم أسباب التردد والسلبية، فعلينا ان نسعى أن لا نكون من الغافلين؛ لأن الغافل قد يكون أسوأ من العاصي، فالعاصي قد يتوب كما فعل سحرة فرعون، أما الغافل فقد يتمادى في غفلته إلى حين لا ينفع معه الندم ولا العودة.
ويأتي ختام السورة ليركز على البعد عن الغفلة وحسم الامر (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) آية 205.
والسجدة في الآية الأخيرة كأنما جاءت لتزيد في النفس الاستعداد للحسم، فربما بهذه السجدة يصحى الغافل من غفلته، ويحسم السلبي موقفه إذا عرف بين يدي من يسجد؟ فيعود إلى الحق. يقول الله تعالى مختتما السورة: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩).
*من منتدى "أفلا يتدبرون القرآن"، على الرابط:
http://www.sa7t-ye.net/vb/showthread.php?t=44752&page=2
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق