السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..
يقول الحق تبارك وتعالى:
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا • إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
(الشرح: ٥، ٦)
أخبر الله تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثم أكد هذا الخبر، بقوله: {إن مع العسر يسراً}. قال الحسن: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين. وعن قتادة ذكر لنا أن رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، بشّر أصحابه بهذه الآية فقال: (لن يغلب عسر يسرين) رواه ابن جرير.
ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد [أي عسر واحد في الآيتين ولم يختلف]، واليسر منكر، فتعدّد [أي أن يسر الآية الأولى مختلف عن يسر الآية الثانية، فأصبحت عسر واحد ويسرين]، ولهذا قال: (لن يغلب عسر يسرين) يعني قوله: {فإن مع العسر يسراً • إن مع العسر يسراً}.
*من تفسير ابن كثير، رحمه الله
***
وقال ابن عباس: "يقول اللّه تعالى: خلقت عسرا واحدا، وخلقت يسرين، ولن يغلب عسر يسرين." وجاء في الحديث عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، في هذه السورة أنه قال: "لن يغلب عسر يسرين." وقال ابن مسعود: والذي نفسي بيده، لو كان العسر في حجر، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه؛ ولن يغلب عسر يسرين. وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم، وما يتخوف منهم؛ فكتب إليه عمر، رضي اللّه عنهما: أما بعد، فإنهم مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل اللّه بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن اللّه تعالى يقول في كتابه {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200].
***
إن اللّه بعث نبيه محمد، صلى اللّه عليه وسلم، مقلا مخفا، فعيره المشركون بفقره، حتى قالوا له: نجمع لك مالا؛ فاغتم وظن أنهم كذبوه لفقره؛ فعزاه اللّه، وعدد نعمه عليه، ووعده الغنى بقوله {فإن مع العسر يسرا} أي لا يحزنك ما عيروك به من الفقر؛ فإن مع ذلك العسر يسرا عاجلا؛ أي في الدنيا. فأنجز له ما وعده؛ فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز واليمن، ووسع ذات يده، حتى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل، ويهب الهبات السنية، ويعد لأهله قوت سنة. فهذا الفضل كله من أمر الدنيا؛ وإن كان خاصا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، فقد يدخل فيه بعض أمته إن شاء اللّه تعالى. ثم ابتدأ فضلا آخرا من الآخرة وفيه تأسية وتعزية له صلى اللّه عليه وسلم، فقال مبتدئا {إن مع العسر يسرا} فهو شيء آخر.
فهذا وعد عام لجميع المؤمنين، لا يخرج أحد منه؛ أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة. وربما اجتمع يسر الدنيا ويسر الآخرة. والذي في الخبر : [لن يغلب عسر يسرين] يعني العسر الواحد لن يغلبهما، وإنما يغلب أحدهما إن غلب، وهو يسر الدنيا؛ فأما يسر الآخرة فكائن لا محالة، ولن يغلبه شيء.
*من تفسير القرطبي، رحمنا الله ورحمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق