[#تدبر_آية]
السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..
يقول الخالق البارئ المصور:
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
[الأعراف، ١١]
يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم، ثم صوّرهم حين أخذ عليهم الميثاق، ثم كان السجود بعد. قال النحاس: وهذا أحسن الأقوال. ويقوّي هذا قوله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172].
والحديث: "أنه أخرجهم أمثال الذَّرِّ فأخذ عليهم الميثاق"
وقيل: «ثم» للإخبار، أي ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم، صلى الله عليه وسلم، ثم صَوّرناكم أي في الأرحام.
قلت: كل هذه الأقوال محتمل، والصحيح منها ما يَعْضُده التنزيل؛ قال الله تعالىٰ:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ}
[المؤمنون: 12] يعني آدم. وقال:
{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
[النساء: 1]. ثم قال: «جَعَلْنَاهُ» أي جعلنا نسله وذريته {نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}
[ المؤمنون: 13] الآية. فآدم خُلِق من طين ثم صوّر وأكرم بالسجود، وذريته صُوِّروا في أرحام الأُمهات بعد أن خُلقوا فيها وفي أصلاب الآباء. وقد تقدّم في أوّل سورة «الأنعام» أن كل إنسان مخلوق من نطفة وتُرْبَة؛ فتأمله. وقال هنا: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} وقال في آخر الحشر:
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ}
[الحشر: 24]. فذكر التصوير بعد البَرء.
*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
قضية الخلق تتوزع على سبع سور: في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحج، وسورة الإسراء، وسورة الكهف، وسورة طه، وسورة ص.. إلا أن القصة في في كل موضع لها لقطات متعددة، فهنا لقطة، وهناك لقطة ثانية، وتلك لقطة ثالثة، وهكذا؛ لأن هذه نعمة لابد أن يكررها الله؛ لتستقر في أذهان عباده.
وقد جاءت قصة خلق آدم بكل جوانبها في القرآن [بهذا التكرار]؛ لأنها قصة بدء الخلق، وهي التي تجيب عن السؤال الذي يبحث عن إجابته الإنسان؛ لأنه تلفت ليجد نفسه في كون معد له على أحسن ما يكون. ولم يجيء الكون من بعد الإنسان، بل طرأ الإنسان على الكون، وظل السؤال وارداً عن كيفية الخلق، والسؤال مهم أهمية وجود الإنسان في الكون، فأنت تستقرئ أجناساً في الكون، وكل جنس له مهمة، ومهمته متعلقة بك، جماد له مهمة، ونبات له مهمة، وحيوان له مهمة، وكلها تصب في خدمتك أنت.
يقول العلماء: إن المراد من [سجود الملائكة لآدم] هو الخضوع والتعظيم، وليس السجود كما نعرفه، وقال البعض الآخر: المراد بالسجود هو السجود الذي نعرفه، وأن آدم كان كالقبلة مثل الكعبة التي نتجه إليها عند الصلاة. ولكنْ لنا هنا ملاحظة، نقول: إننا لا نسجد إلا لله، ومادام ربنا قد قال: اسجدوا، فالسجود هنا هو امتثال لأمر خالق آدم. والنية إذن لم تكن عبادة لآدم، ولكنها طاعة لأمر الله الأول.
ومن الملائكة مدبرات أمر، ومنهم حفظة، ومنهم من هو بين يدي الله، فلم يكن السجود للملائكة خضوعاً من الملائكة لآدم، بل هو طاعة لأمر الله، ولذلك سجد من الملائكة الموكلون بالأرض وخدمة الإنسان، لكنْ الملائكة المقربون لا يدرون شيئاُ عن أمر آدم، ولذلك يقول الحق لإِبليس:
{...أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ}
[ص: 75 ]
والمقصود بالعالين أي الملائكة الذين لم يشهدوا أمر السجود لآدم، فليس للملائكة العالين عمل مع آدم؛ لأن الأمر بالسجود قد صدر لمن لهم عمل مع آدم وذريته والذين يقول فيهم الحق سبحانه:
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ...}
[الرعد: 11]
وهناك الرقيب، والعتيد والقعيد. وفي كل ظاهرة من ظواهر الكون هناك ملك مخصوص بها.
***
[سؤال]: هل كان إبليس من الملائكة؟ لا. يقول الحق تبارك وتعالى:
{... فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ...}
[الكهف: 50]
والجن كالإنس مخلوق على الاختيار، يمكنه أن يعصي ويمكنه أن يطيع.
لقد كانوا يسمون إبليس (طاووس الملائكة)، أي الذي يزهو في محضر الملائكة، لأنه ألزم نفسه بمنهج الله، وترك اختياره، وقد وبلغ من تميزه أنه يحضر حضور الملائكة. فلما حضر مع الملائكة جاء البلاغ الأول عن آدم في أثناء حضوره، وقال ربنا للملائكة: {ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ}.
وكان أولى به أن يسارع بالامتثال للأمر بالطاعة، لكنه استنكف ذلك. ألم يكن من الأجدر به وهو الأدنى أن يلتزم بالأمر؟ لكنه لم يفعل. ولأنه من الجن فقد غلبت عليه طبيعة الاختيار.
*من خواطر الشعراوي، رحمنا الله ورحمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق