الثلاثاء، 29 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف، ١٢

[#تدبر_آية]
السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول العزيز الجبار المتكبر:

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
(الأعراف، ١٢)

قال العلماء: الذي أحوجه إلى ترك السجود هو (الكبر والحسد): وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمر بذلك. وكان أمره من قبل خلق آدم؛ يقول الله تعالىٰ: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}. فكأنه دخله أمر عظيم من قوله {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}. فإن في الوقوع توضيع الواقع وتشريفاً لمن وقع له فأضمر في نفسه ألاّ يسجد إذا أمره في ذلك الوقت. فلما نفخ فيه الروح وقعت الملائكة سُجَّداً، وبَقِيَ هو قائماً بين أظهرهم؛ فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره. فقال الله تعالىٰ: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} أي ما منعك من الانقياد لأمري؛ فأخرج سِرّ ضميره فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ}.

***
وقوله تعالىٰ: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} أي منعني من السجود فضلِي عليه... {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فرأى أن النار أشرف من الطين؛ لعلوّها وصعودها وخفتها، ولأنها جوهر مضيء. قال ابن عباس والحسن وابن سيرين: أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس. فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس. قال ابن سيرين: وما عبدت الشمس والقمر إلاَّ بالمقاييس. وقالت الحكماء: أخطأ عدوّ الله من حيث فضل النار على الطين، وإن كانا في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق. فإن الطين أفضل من النار من وجوه أربعة:

[أحدها] ـ أن من جوهر الطين الرّزانة والسكون، والوقار والأناة، والحلم، والحياء، والصبر. وذلك هو الداعي لآدم عليه السَّلام بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع، فأورثه المغفرة والإجتباء والهداية.

ومن جوهر النار الخفة، والطيش، والحدّة، والارتفاع، والاضطراب. وذلك هو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار؛ فأورثه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء؛ قاله القفّال.

[الثاني] ـ إن الخبر ناطق بأن تراب الجنة مِسك أذفر، ولم ينطق الخبر بأن في الجنة ناراً وأن في النار تراباً.

[الثالث] ـ أن النار سبب العذاب، وهي عذاب الله لأعدائه؛ وليس التراب سبباً للعذاب.

[الرابع] ـ أن الطين مستغنٍ عن النار، والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب.

قلت ـ ويحتمل قولاً [خامساً] وهو أن التراب مسجد وطهور؛ كما جاء في صحيح الحديث. والنار تخويف وعذاب؛ كما قال تعالىٰ: 
{ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ}

*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
وقول إبليس لعنه الله: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} من العذر الذي هو أكبر من الذنب، كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول، يعني لعنه الله وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بيّن أنه خير منه بأنه خلق من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، وقاس قياساً فاسداً في مقابلة نص قوله تعالى: 
{فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].

 ولهذا خان إبليس عنصره ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة. فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت، قال، رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خلق الله الملائكة من نور العرش، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم."

*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه

ليست هناك تعليقات: