السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..
يقول الله أحسن القائلين:
وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ • رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ • فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ • فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ • فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ • وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ • قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ • إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ • وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
(الصافات، ٩٩-١٠٧)
يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، أنه بعدما نصره اللّه تعالى على قومه، وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الآيات العظيمة، هاجر من بين أظهرهم وقال: إني ذاهب إلى ربي سيهدين • رب هب لي من الصالحين} يعني أولاداً مطيعين يكونون عوضاً عن قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال اللّه تعالى: {فبشرناه بغلام حليم} هذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام، فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة، وولد إسحاق وفي عمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة.
***
وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام، وقوله تعالى: {فلما بلغ معه السعي} أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه، قال ابن عباس ومجاهد: {فلما بلغ معه السعي} بمعنى شب وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}، قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي، ثم تلا هذه الآية: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}؟ وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة اللّه تعالى وطاعة أبيه {قال يا أبت افعل ما تؤمر} أي امض لما أمرك اللّه من ذبحي، {ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين} أي سأصبر وأحتسب ذلك عند اللّه عزَّ وجلَّ، وصدق صلوات اللّه وسلامه عليه فيما وعد، ولهذا قال اللّه تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً}.
***
قال تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} أي فلما تشهدا وذكرا اللّه تعالى؛ إبراهيمُ على الذبح وشهد الولد شهادة الموت، وقيل: {أسلما} يعني استسلما وانقادا؛ إبراهيم امتثل أمر اللّه تعالى وإسماعيل طاعة للّه ثم لأبيه، قاله مجاهد وغيره وهو الأظهر.
***
ومعنى {تلّه للجبين}: أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه، قال ابن عباس: {وتله للجبين} أكبه على وجهه وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير والضحّاك وقتادة.
عن ابن عباس، رضي اللّه عنهما، أنه قال: لما أمر إبراهيم، عليه السلام، بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه، فسبقه إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات، حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات، ثم تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قميص أبيض: فقال له يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفني فيه غيره، فأخلعه حتى تكفني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه: {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فالتفت إبراهيم، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين".
***
وقوله تعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، وذكر السدي وغيره أنه أمرَّ السكين على رقبته فلم تقطع شيئاً، بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس، ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك {قد صدقت الرؤيا}.
وقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى: {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً • ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال تعالى: {إن هذا لهو البلاء المبين} أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك، مستسلماً لأمر اللّه تعالى منقاداً لطاعته ولهذا قال تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} ، وقوله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} عن علي رضي اللّه عنه قال: بكبش أبيض أقرن قد ربط بسمرة، وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: كان الكبش يرتع في الجنة، حتى شقق عنه ثبير، وكان عليه عهن أحمر ذكر أن الكبش هو الذي قربه ابن آدم وكان في الجنة حتى فدي به إسماعيل وهو منقول عن بعض السلف ، قال مجاهد: ذبحه بمنى عند النحر.
*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق