الثلاثاء، 8 أبريل 2014

مما جاء في تفسير آخر آية من الإسراء: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا.. الآية)

السلام عليكم، طبتم وطاب صباحكم..

يقول تعالى مختتما سورة الإسراء:

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا
(الإسراء، ١١١)
 
هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذا: عزيز وعيسى والملائكة ذرية الله سبحانه؛ تعالى الله عن أقوالهم. {ولم يكن له شريك في الملك} لأنه واحد لا شريك له في ملكه ولا في عبادته. {ولم يكن له ولي من الذل} قال مجاهد: المعنى لم يحالف أحدا ولا ابتغى نصر أحد؛ أي لم يكن له ناصر يجيره من الذل فيكون مدافعا.
قال الحسن بن الفضل {ولم يكن له ولي من الذل} يعني لم يذل فيحتاج إلى ولي ولا ناصر، لعزته وكبريائه. {وكبره تكبيرا} أي عظمه عظمة تامة. ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر؛ أي صفة بأنه أكبر من كل شيء. وقال عمر بن الخطاب: قولُ العبدِ (الله أكبر) خير من الدنيا وما فيها.

وهذا الآية هي خاتمة التوراة.. فعن عبدالله بن كعب قال: افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ.. الآية} وختمت بخاتمة هذه السورة. وروى عمرو بن شعيب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبدالمطلب علمه {وقل الحمد لله الذي} الآية. وقال عبدالحميد بن واصل : سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ: وقل الحمد لله... الآية، كتب الله له من الأجر مثل الأرض والجبل لأن الله تعالى يقول فيمن زعم أن له ولدا {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا}). وجاء في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجل شكا إليه الدين بأن يقرأ {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} إلى آخر السورة، ثم يقول: توكلت على الحي الذي لا يموت ثلاث مرات.

*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
وروى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يقول: (آية العز الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) إلى آخر السورة.

*من تفسير الجلالين، رحمهما الله
***
والحق سبحانه يقول:
{ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً..}

فكَوْنه سبحانه لم يتخذ ولداً نعمة كبيرة على العباد يجب أنْ يحمدوه عليها، فإنْ كان له ولد فسوف يخصُّه برعايته دون باقي الخَلْق، فقد تنزّه سبحانه عن الولد، وجعل الخَلْق جميعهم عياله، وكلُّهم عنده سواء، فليس من بينهم مَنْ هو ابن لله أو مَنْ بينه وبين الله قرابة، وأحبّهم إليه تعالى أتقاهم له، وهكذا ينفرد الخَلْق بكل حنان ربهم وبكل رحمته.

ثم يقول سبحانه: {ولم يكن له شريك في الملك..}

وهذا أيضاً من النعم التي تستوجب الحمد، ولك أنْ تتصوّر لو أن لله تعالى شريكاً في الملْك، كم تكون حَيْرة العباد؟ فأيُّهما تُطيع وأيهما تُرضِي؟

وكَوْنه سبحانه واحداً لا شريك له يجعلك تطمئن إلى أمره ونَهْيه فتُطيعه وأنت مطمئن، فأوامره سبحانه نافذة لا مُعقِّب لها، ولا مُعترِض عليها، فليس هناك إله آخر يأمرك بأمر مخالف، أليست هذه نعمة تستوجب الحمد؟

وأيضاً فإن الحق سبحانه يقول: {ولم يكن له ولي من الذل..}

والحق سبحانه ليس له وليٌّ يلجأ إليه ليعزه؛ لأنه سبحانه العزيز المعِزّ القائم بذاته سبحانه، ولا حاجة له إلى أحد.

ثم يقول تعالى: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} 

لأن عظمة الحق سبحانه في نفس المؤمن أكبر من كل شيء، وأكبر من كل كبير؛ لذلك جُعلتْ (الله أكبر) شعار أذانك وصلاتك، فلا بُدَّ أن تُكبِّر الله، وتجعله أكبر مِمّا دونه من الأغيار، فإنْ ناداك وأنت في أيّ عمل فقُلْ: الله أكبر من عملي، وإنْ ناداك وأنت في حضرة عظيم، فقل: الله أكبر من أيِّ عظيم، كبِّره تكبيراً بأن تُقدِّم أوامره ونواهيه على كل أمر، وعلى كل نهي. ولا تنسَ أنك إن كبَّرْتَ الحق سبحانه وتعالى أعززْتَ نفسك بعزة الله التي لا يعطيها إلا لمَنْ يخلص العبودية له سبحانه، فَضْلاً عن أن العبودية لله شرفٌ للعبد.

إذن: كبِّره تكبيراً. أي: اجعل أمره ونَهْيه فوق كل شيء، وقُلْ: الله أكبر من كل كبير حتى الجنة قل: الله أكبر من الجنة. ففي الحديث القدسي: " أَولَوْ لَم أخلق جنة وناراً، أما كنتُ أهلاً لأنْ أُعبد؟"

فالله تعالى بذاته سبحانه أكبر من أيّ شيء، حتى إن كانت الجنة، ففي آخر سورة الكهف يقول تعالى:
{فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربهِ أحدا} 
[الكهف: 110]

فلم يَقُلْ: مَنْ كان يرجو جزاء ربه، أو جنة ربه، أو نعيم ربه، إن المؤمن الحق لا ينظر إلى النعيم، بل يطمع في لقاء المنعم سبحانه، وهذا غاية أمانيه.

وفي حديث آخر يقول الحق سبحانه للملائكة: "أما رأيتم عبادي، أنعمتُ عليهم بكذا وكذا، وأسلب عنهم نعمتي ويحبونني". 

وبهذه الآية خُتِمَتْ سورة الإسراء..

*من خواطر الشعراوي، رحمنا الله ورحمه

ليست هناك تعليقات: