الأحد، 30 مارس 2008

باب الجنة.. من هاهنا إلى هاهناك

باب الجنة.. من هاهنا إلى هاهناك

كثير من الناس يعيش دنياه في الدنيا، وغيره ارتأى عيش دنياه في رياض الجنة. فالأول، تجده قد أعتنق التشاؤم نهجاً له في الحياة، وجعل شعاره الحياة القاصرة، والبائسة، وأنه لا يجد في يومه خير.. فلو سألته: "وش أخبارك اليوم؟" قد يجيب: "(زفــ..)، والحمد لله"، "أسوأ حال"، "أتعس الناس"، أو غيرها من العبارات النابية السلبية.. (سمعت أكثر من شخص يقول العبارة الأولى، وعذرا على استخدام اللفظة هنا). نسي هذا الشخص "المتشائم" أنه، في حال ضاقت عليه، قد رزق بنعم لا يحصيها غير الله سبحانه. يعني، إذا كان هذا الشخص نفسيا، على سبيل المثال، قد ضايقه أمر ما؛ فعله أن يتذكر أن الله قد أنعم عليه بنعمة البصر، السمع، الحركة، الكلام، القوة، الإرادة، الوجود على هذه الحياة، القدرة على التفكير، كونه غنيا، بصحة جيدة، نعمة الإسلام، القدرة على ذكر المولى -عز وجل،.. إلخ (لا يحصر النعم إلا من وهبها). ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة، حيث يقول – بأبي هو وأمي: "تفاءلوا بالخير تجدوه".. وبعبارة أخرى مستحدثة "كن دائما إيجابي". (لا أظن أن عاقلا سيشكك في "تفاءلوا بالخير تجدوه"، من الجانب التطبيقي طبعا.)

**********

أذكر دائما ما عندك من خير.. ما منّ اللهُ به عليك من النعم، فالمنعم – جل في علاه - يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. عجبا لذلك المتشائم، المتضايق، المنكسر.. يغدق الله عليه بالخيرات، تترى عليه في كل صبحٍ وليلة، ثم ما إن ينغص عيشه شيئاَ ما، أو يتأذى بتغير نعمة أنعمت عليه من قبل؛ حتى يتولى، وكأنه ما وُهب من نعم الله سوى تلك. والله ألم بحال عباده، وأعلمهم بما يعتريهم من قصور وضعف، وهو بهم رحيم.

**********

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا سبب كتابتي لهذه الكلمات، "من لم يدخل جنة الدنيا؛ لم يدخل جنة الآخرة" انتهى كلامه. شخصيا، أجد أن هذه العبارة من أجمل ما سمعت من كلام من سبقونا. فهمت منها: أن من لم يستشعر نعم الله - عز وجل - عليه في هذه الدنيا، فهو لم يشكر واهبه على ذلك الفضل، ولم يستمتع بها قبل أن تُسلب منه، وبالتالي لن يشكر الله عليها. وأما إذا استشعر العبد نعم المولى عليه، فحتما سيشعر بفضل الله عليه، ويستشعره في كل شيء، وسيدرك أن الله ميزه من بين سائر الخلق؛ فيعلم ويقر بأنه أسعد من خلق على هذه البسيطة، وأغناهم بنعم الله، وأهنئهم عيش، من أكرمهم عند المنان – تعالى.

**********

وذلك أمر معينٌ للعبد على القرب من ربه، وعله أن يدخل العبد في دائرة محبة الله. فعند إدراك العبد لنعم الله عليه؛ سيحمدهُ على جليل عطاياه، ورأفته به، وحفظه له، في كل لحظات حياته، في نفسه ومع الناس، في اليسر والعسر، في الفرج والضيق، على النعم والمواهب التي رزقه الوهّاب – جل شأنه - بها، وسيقر لله وحده بذلك الفضل.

**********

وكما لا يخفى عليك – أخي الحامد.. فعبادة "الحمد" من أعظم العبادات عند الله سبحانه وتعالى. فإذا حمدت الله سبحانه وتعالى على نعمة ما، فلا تنسى أن تحمدهُ بأن سمح لك أن تحمده، فقد حُرم غيرك كثير من أن يحمدوا خالقهم على شيء، وأُذِن لك أنت!

**********

أخي – الشاكر – لا تظن أن العبادة لا تكون إلا في المفروضات من العبادات، ففي المباحات أيضا اجر عظيم. فلعلك أن تذكر قوله – أفضل بني آدم – صلوات الله عليه وتسليمه: "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" أخرجه الترمذي وحسنه. وفي الحديث كفاية عما يتناثر من كلمات على هذه الورقة.

**********

أخيراً.. أخي – المقر لله بآلائه - استمتع بنعم الله عليك أيما استمتاع.. وأعلم أن شكر النعم باب للجنة في الدنيا.. فبادره، وادخله، فأوله هاهنا، وآخره هاهناك!

والله من وراء القصد..

*******************

* كتبت هذه الكلمات أثناء دراستي في نيوكاسل، أستراليا، 1427 هـ، مع إضافة بعض التعديلات في وقت لاحق.