الثلاثاء، 29 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف، ١٢

[#تدبر_آية]
السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول العزيز الجبار المتكبر:

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
(الأعراف، ١٢)

قال العلماء: الذي أحوجه إلى ترك السجود هو (الكبر والحسد): وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمر بذلك. وكان أمره من قبل خلق آدم؛ يقول الله تعالىٰ: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}. فكأنه دخله أمر عظيم من قوله {فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}. فإن في الوقوع توضيع الواقع وتشريفاً لمن وقع له فأضمر في نفسه ألاّ يسجد إذا أمره في ذلك الوقت. فلما نفخ فيه الروح وقعت الملائكة سُجَّداً، وبَقِيَ هو قائماً بين أظهرهم؛ فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره. فقال الله تعالىٰ: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} أي ما منعك من الانقياد لأمري؛ فأخرج سِرّ ضميره فقال: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ}.

***
وقوله تعالىٰ: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} أي منعني من السجود فضلِي عليه... {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فرأى أن النار أشرف من الطين؛ لعلوّها وصعودها وخفتها، ولأنها جوهر مضيء. قال ابن عباس والحسن وابن سيرين: أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس. فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس. قال ابن سيرين: وما عبدت الشمس والقمر إلاَّ بالمقاييس. وقالت الحكماء: أخطأ عدوّ الله من حيث فضل النار على الطين، وإن كانا في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق. فإن الطين أفضل من النار من وجوه أربعة:

[أحدها] ـ أن من جوهر الطين الرّزانة والسكون، والوقار والأناة، والحلم، والحياء، والصبر. وذلك هو الداعي لآدم عليه السَّلام بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع، فأورثه المغفرة والإجتباء والهداية.

ومن جوهر النار الخفة، والطيش، والحدّة، والارتفاع، والاضطراب. وذلك هو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار؛ فأورثه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء؛ قاله القفّال.

[الثاني] ـ إن الخبر ناطق بأن تراب الجنة مِسك أذفر، ولم ينطق الخبر بأن في الجنة ناراً وأن في النار تراباً.

[الثالث] ـ أن النار سبب العذاب، وهي عذاب الله لأعدائه؛ وليس التراب سبباً للعذاب.

[الرابع] ـ أن الطين مستغنٍ عن النار، والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب.

قلت ـ ويحتمل قولاً [خامساً] وهو أن التراب مسجد وطهور؛ كما جاء في صحيح الحديث. والنار تخويف وعذاب؛ كما قال تعالىٰ: 
{ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ}

*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
وقول إبليس لعنه الله: {أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} من العذر الذي هو أكبر من الذنب، كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول، يعني لعنه الله وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بيّن أنه خير منه بأنه خلق من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، وقاس قياساً فاسداً في مقابلة نص قوله تعالى: 
{فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].

 ولهذا خان إبليس عنصره ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة. فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت، قال، رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خلق الله الملائكة من نور العرش، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم."

*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه

الأحد، 27 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) [الأعراف، ١١]

[#تدبر_آية]
السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول الخالق البارئ المصور:

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
 [الأعراف، ١١]

يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم، ثم صوّرهم حين أخذ عليهم الميثاق، ثم كان السجود بعد. قال النحاس: وهذا أحسن الأقوال. ويقوّي هذا قوله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172].
والحديث: "أنه أخرجهم أمثال الذَّرِّ فأخذ عليهم الميثاق"
وقيل: «ثم» للإخبار، أي ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم، صلى الله عليه وسلم، ثم صَوّرناكم أي في الأرحام. 

قلت: كل هذه الأقوال محتمل، والصحيح منها ما يَعْضُده التنزيل؛ قال الله تعالىٰ: 
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ}
[المؤمنون: 12] يعني آدم. وقال: 
{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
[النساء: 1]. ثم قال: «جَعَلْنَاهُ» أي جعلنا نسله وذريته {نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}
[ المؤمنون: 13] الآية. فآدم خُلِق من طين ثم صوّر وأكرم بالسجود، وذريته صُوِّروا في أرحام الأُمهات بعد أن خُلقوا فيها وفي أصلاب الآباء. وقد تقدّم في أوّل سورة «الأنعام» أن كل إنسان مخلوق من نطفة وتُرْبَة؛ فتأمله. وقال هنا: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} وقال في آخر الحشر: 
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ}
[الحشر: 24]. فذكر التصوير بعد البَرء.

*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
قضية الخلق تتوزع على سبع سور: في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحج، وسورة الإسراء، وسورة الكهف، وسورة طه، وسورة ص.. إلا أن القصة في في كل موضع لها لقطات متعددة، فهنا لقطة، وهناك لقطة ثانية، وتلك لقطة ثالثة، وهكذا؛ لأن هذه نعمة لابد أن يكررها الله؛ لتستقر في أذهان عباده.  

وقد جاءت قصة خلق آدم بكل جوانبها في القرآن [بهذا التكرار]؛ لأنها قصة بدء الخلق، وهي التي تجيب عن السؤال الذي يبحث عن إجابته الإنسان؛ لأنه تلفت ليجد نفسه في كون معد له على أحسن ما يكون. ولم يجيء الكون من بعد الإنسان، بل طرأ الإنسان على الكون، وظل السؤال وارداً عن كيفية الخلق، والسؤال مهم أهمية وجود الإنسان في الكون، فأنت تستقرئ أجناساً في الكون، وكل جنس له مهمة، ومهمته متعلقة بك، جماد له مهمة، ونبات له مهمة، وحيوان له مهمة، وكلها تصب في خدمتك أنت.

يقول العلماء: إن المراد من [سجود الملائكة لآدم] هو الخضوع والتعظيم، وليس السجود كما نعرفه، وقال البعض الآخر: المراد بالسجود هو السجود الذي نعرفه، وأن آدم كان كالقبلة مثل الكعبة التي نتجه إليها عند الصلاة. ولكنْ لنا هنا ملاحظة، نقول: إننا لا نسجد إلا لله، ومادام ربنا قد قال: اسجدوا، فالسجود هنا هو امتثال لأمر خالق آدم. والنية إذن لم تكن عبادة لآدم، ولكنها طاعة لأمر الله الأول.

ومن الملائكة مدبرات أمر، ومنهم حفظة، ومنهم من هو بين يدي الله، فلم يكن السجود للملائكة خضوعاً من الملائكة لآدم، بل هو طاعة لأمر الله، ولذلك سجد من الملائكة الموكلون بالأرض وخدمة الإنسان، لكنْ الملائكة المقربون لا يدرون شيئاُ عن أمر آدم، ولذلك يقول الحق لإِبليس:
{...أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ} 
[ص: 75 ]

والمقصود بالعالين أي الملائكة الذين لم يشهدوا أمر السجود لآدم، فليس للملائكة العالين عمل مع آدم؛ لأن الأمر بالسجود قد صدر لمن لهم عمل مع آدم وذريته والذين يقول فيهم الحق سبحانه:
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ...} 
[الرعد: 11]

وهناك الرقيب، والعتيد والقعيد. وفي كل ظاهرة من ظواهر الكون هناك ملك مخصوص بها. 
***
[سؤال]: هل كان إبليس من الملائكة؟ لا. يقول الحق تبارك وتعالى:
{... فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ...} 
[الكهف: 50]

والجن كالإنس مخلوق على الاختيار، يمكنه أن يعصي ويمكنه أن يطيع. 

لقد كانوا يسمون إبليس (طاووس الملائكة)، أي الذي يزهو في محضر الملائكة، لأنه ألزم نفسه بمنهج الله، وترك اختياره، وقد وبلغ من تميزه أنه يحضر حضور الملائكة. فلما حضر مع الملائكة جاء البلاغ الأول عن آدم في أثناء حضوره، وقال ربنا للملائكة: {ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ}.

وكان أولى به أن يسارع بالامتثال للأمر بالطاعة، لكنه استنكف ذلك. ألم يكن من الأجدر به وهو الأدنى أن يلتزم بالأمر؟ لكنه لم يفعل. ولأنه من الجن فقد غلبت عليه طبيعة الاختيار.

*من خواطر الشعراوي، رحمنا الله ورحمه

الخميس، 24 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله تعالى: (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) الأعراف، ٨-٩

[#تدبر_آية]
السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول الله أحكم الحاكمين:

فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ • وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ
(الأعراف، ٨-٩)

قيل: الموازين جمع موزون، لا جمع ميزان. أراد بالموازين الأعمال الموزونة.

قال ابن عباس: توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكِفّتان؛ فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته؛ فذلك قوله: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} ويؤتى بعمل الكافر في أقبح صورة فيوضع في كِفّة الميزان فيخف وزنه حتى يقع في النار. وما أشار إليه ابن عباس قريب مما قيل: يخلق الله تعالىٰ كل جزء من أعمال العباد جوهراً فيقع الوزن على تلك الجواهر. وردّه ٱبن فُورك وغيره.

وذكر أن البطاقة (بكسر الباء) رُقعة فيها رقم المتاع بلغة أهل مصر. وقال ابن ماجه: قال محمد بن يحيى: البِطاقة الرُّقعة، وأهل مصر يقولون للرُّقْعة بِطاقة. وقال حذيفة: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل، عليه السَّلام، يقول الله تعالىٰ:
"يا جبريل زِنْ بينهم فرُدّ من بعض على بعض"
قال: وليس ثمّ ذهب ولا فضة؛ فإن كان للظالم حسناتٌ أخِذ من حسناته فردّ على المظلوم، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتحمل على الظالم؛ فيرجع الرجل وعليه مثل الجبال.

وروي عن النبيّ، صلى الله عليه وسلم:
"أن الله تعالىٰ يقول يوم القيامة يا آدم ٱبرز إلى جانب الكرسي عند الميزان وٱنظر ما يرفع إليك من أعمال بَنِيك فمن رجح خيرُه على شره مثقالَ حَبّة فله الجنة ومن رجح شره على خيره مثقال حبة فله النار حتى تعلم أني لا أَعذب إلاَّ ظالماً".

*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
الذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإن كانت أعراضاً، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساماً، يروى هذا عن ابن عباس، كما جاء في الصحيح "من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف".

وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها: لا إله إلا الله، الحديث. 

وقيل: يوزن صاحب العمل كما في الحديث:
"يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة"، ثم قرأ: 
{فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً}
[الكهف: 105].

 وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
"أتعجبون من دقة ساقيه! والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد"

وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحاً، فتارة توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.

*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) الأعراف، ٤-٥

#تدبر_آية
السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول الله في محكم التنزيل:

وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ • فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
(الأعراف، ٤-٥)

ساعة تسمع "كم" فاعرف أن المسألة خرجت عن العد بحيث تستوجب أن تستفهم عنها، وهذا يدل على أمر كثير فوق العدد، لكن عندما يكون العدد قليلاً فلا يستفهم عنه، بل يعرف. 

والقرية اسم للمكان المعد إعداداً خاصاً لمعيشة الناس فيه. وهل القرى هي التي تهلك أم يهلك من فيها؟ أوضح الحق أنها تأتي مرة ويراد منها المكان والمكين: أو يكون المراد بالقرية أهلها، مثال ذلك قوله الحق في سورة يوسف:
{وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلّعِيْرَ...} 
[يوسف: 82]

وبطبيعة الحال لن يسأل إنسان المكان أو المباني، بل يسأل أهل القرية، ولم يقل الحق: اسأل أهل القرية؛ لأن المسئول عنه هو أمر بلغ من الصدق أن المكان يشهد مع المكين، ومرة أخرى يوضح الحق أنه يدمر القرية بسكانها ومبانيها. {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا}.
***
وأيهما يأتي أولاً: الإهلاك أم يأتي البأس أولاً فيهلك؟ الذي يأتي أولاً هو البأس فيهلك، فمظاهر الكونيات في الأحداث لا يأتي أمرها ارتجالاً، وإنما أمرها مسبق أزلاً، وكأن الحق يقول هنا: وكم من قرية حكمنا أن نهلكها فجاءها بأسنا ليتحقق ما قلناه أزلاً، أي أن تأتي الأحداث على وفق المرادات؛ حتى ولو كان هناك اختيار للذي يتكلم عنه الحق.
***
والبأس هو القوة التي لا ترد ولا تقهر، و"بيتاً" أي بالليل، {أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} أي في القيلولة. ولماذا يأتي البأس في البيات أو في القيلولة؟ نجد في خبر عمّن أَهْلِكُوا مثل قوم لوط أنّه حدث لهم الهلاك بالليل، وقوم شعيب حدث لهم الهلاك في القيلولة، والبيات والقيلولة هما وقت الاسترخاء ووقت الراحة وتفاجئهم الأحداث فلا يستطيعون أن يستعدوا.
{فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ} 
[الصافات: 177]
***
ولكن كيف استقبلوا ساعة مجيء البأس الذي سيهلكهم؟

يقول الحق سبحانه: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأعراف، ٥)

يشرح ربنا هذا الأمر في آيات كثيرة، أنه اعتراف منهم باقترافهم الظلم وقيامهم عليه. 

*من خواطر الشعراوي، رحمنا الله ورحمه

الاثنين، 21 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله تعالى: (الۤمۤصۤ • كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) الأعراف: ١، ٢

السلام عليكم..🌹 #تدبر_آية

يقول الله رب العالمين:
الۤمۤصۤ • كِتَـٰبٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
(الأعراف، ٢)

 قوله تعالى: {فَلاَ يَكُن فِى صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ}.
قال مجاهد، وقتادة، والسدي: {حَرَجٌ} أي شك. أي لا يكن في صدرك شك في كون هذا القرآن حقاً، وعلى هذا القول فالآية، كقوله تعالى: {ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ} وقوله: {ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ} ، وقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ} . 
والممتري: هو الشاك. لأنه مفتعل من المرية وهي الشك، وعلى هذا القول فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. 
والمراد نهى غيره عن الشك في القرآن، كقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً}، وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، وقوله: {وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم}.

ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئاً من ذلك، ولكن الله يخاطبه ليوجه الخطاب إلى غيره في ضمن خطابه صلى الله عليه وسلم. 

وجمهور العلماء: على أن المراد بالحرج في الآية الضيق. أي لا يكن في صدرك ضيق عن تبليغ ما أمرت به لشدة تكذيبهم لك، لأن تحمل عدواة الكفار، والتعرض لبطشهم مما يضيق به الصدر، وكذلك تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم مع وضوح صدقه بالمعجزات الباهرات مما يضيق به الصدر. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة»، أخرجه مسلم. والثلغ: الشدخ وقيل ضرب الرطب باليابس حتى ينشدخ، وهذا البطش مما يضيق به الصدر. 

ويدل لهذا الوجه الأخير في الآية قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}، وقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}، وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً}. 

وقد جمع الله تعالى في هذه الآية الكريمة بين الإنذار والذكرى في قوله: {لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} فالإنذار للكفار، والذكرى للمؤمنين. 

*من تفسير أضواء البيان لـ محمد الأمين الشنقيطي، رحمنا الله ورحمه

الأحد، 20 أبريل 2014

سورة الأعراف، مقدمة

سورة الأعراف من أطول السور المكية. قال الزركشي في (البرهان في علوم القرآن): سورة الأعراف مكية إلا ثلاث آيات: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ...} إلى قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ...}.

 وهي أول سورة عرضت بالتفصيل قصص الأنبياء من بداية خلق آدم عليه السلام إلى نهاية الخلق، مروراً بنوح، هود، صالح، لوط، شعيب، موسى، عليهم وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام [تم إيراد قصصهم في سورة الأنعام بشكل موجز بينما فُصِلت في الأعراف].

والسورة تجسد الصراع الدائم بين الحق والباطل وكيف أن الباطل يؤدي إلى الفساد في الأرض. وفي قصص كل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في السورة تظهر لنا الصراع بين الخير والشر وبيان كيد إبليس لآدم وذريته؛ لذا وجه الله تعالى أربعة نداءات متتالية لأبناء آدم بـ (يابني آدم) ليحذرهم من عدوهم الذي وسوس لأبيهم آدم حتى أوقعه في المخالفة لأمر الله تعالى:

النداء الأول:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا}
النداء الثاني:
{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}
النداء الثالث:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}
النداء الرايع:
{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} 

كما تعرضت السورة الكريمة إلى أصناف البشر فهم على مرّ العصور، وهم ثلاثة أصناف: ١) المؤمنون الطائعون، ٢) العصاة، ٣) والسلبيون الذين هم مقتنعون لكنهم لا ينفذون، إما بدافع الخجل أو اللامبالاة وعدم الإكتراث. 

وسميت السورة (الأعراف) لورود ذكر اسم الأعراف فيها وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلهما وروى جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله تعالى فيهم.

[نماذج من السورة]
• النموذج الأول من صراع الحق والباطل: قصة آدم عليه السلام مع ابليس ويبين لنا تعالى في هذه القصة كما في باقي السورة كيف أن الحق ينتصر في النهاية على الباطل.

• عرض يوم القيامة وقصة أصحاب الأعراف: (الآيات 44 -51) تذكر الآيات قصة أصحاب الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم وبقوا على الأعراف ينتظرون حكم الله تعالى فيهم. والأعراف قنطرة عالية على شكل عرف بين الجنة والنار والمكث عليها مؤقت، لأن في الآخرة الناس إما في النار أو في الجنة. وأصحاب الأعراف كانوا يعرفون الحق والباطل لكنهم لم يحسموا أمرهم فحبسوا بين الجنة والنار حتى يقضي الله تعالى فيهم. 

•عرض نماذج من صراع الحق والباطل عبر قصص الأنبياء على مر العصور. 

•مقارنة بين الحسم والتردد في قصة موسى وفرعون والسحرة. 

•قصة أهل السبت: وكيف تحايلوا على الله تعالى لأنهم لم يحسموا مواقفهم بالتسليم الكلي لله وتطبيق ما يعتقدونه عملياً حتى يكونوا من الفائزين، لكنهم كانوا يعتقدون شيئاً ويمارسون شيئاً آخر. 

•فئات بني إسرائيل: عرضت السورة فئات بني إسرائيل الثلاثة، فهم إما: عصاة، أو مؤمنون ينهون عن المعاصي، وإما متفرجون سلبيون وهذه الفئات موجودة في كل المجتمعات.

ولعل الغفلة هي من أهم أسباب التردد والسلبية، فعلينا ان نسعى أن لا نكون من الغافلين؛ لأن الغافل قد يكون أسوأ من العاصي، فالعاصي قد يتوب كما فعل سحرة فرعون، أما الغافل فقد يتمادى في غفلته إلى حين لا ينفع معه الندم ولا العودة. 

ويأتي ختام السورة ليركز على البعد عن الغفلة وحسم الامر (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) آية 205. 

والسجدة في الآية الأخيرة كأنما جاءت لتزيد في النفس الاستعداد للحسم، فربما بهذه السجدة يصحى الغافل من غفلته، ويحسم السلبي موقفه إذا عرف بين يدي من يسجد؟ فيعود إلى الحق. يقول الله تعالى مختتما السورة: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩). 

*من منتدى "أفلا يتدبرون القرآن"، على الرابط:
http://www.sa7t-ye.net/vb/showthread.php?t=44752&page=2

السبت، 19 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله: ( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) الكهف، ٩٢-٩٦

السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم.. 

يقول الحق تبارك وتعالى:

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا • قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا
(الكهف، ٩٢-٩٦)

يقول تعالى مخبراً عن ذي القرنين {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} أي ثم سلك طريقاً من مشارق الأرض، حتى إذا بلغ بين السدين وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة، يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيها فساداً ويهلكون الحرث والنسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم عليه السلام كما ثبت في الصحيحين:

"أن الله تعالى يقول: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: ابعث بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، فحينئذٍ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، فقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلاّ كثّرتاه؛ يأجوج ومأجوج."

وفي مسند الإمام أحمد، عن سمرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
"ولد نوح ثلاثة: سام أبو العرب، وحام أبو السودان، ويافث أبو الترك."
قال بعض العلماء: هؤلاء من نسل يافث أبي الترك، وقال: إنما سمي هؤلاء تركاً لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة، وإلاّ فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة. 
***
وقوله تعالى: {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} أي لاستعجام كلامهم، وبعدهم عن الناس، {قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} قال ابن عباس: أي أجراً عظيماً، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالاً يعطونه إياه حتى يجعل بينهم وبينهم سداً، فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي أنّ الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خيرٌ لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: 
{أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ}
[النمل: 36] الآية.

وهكذا قال ذو القرنين، الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني بقوة، أي بعملكم وآلات البناء {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ} والزبر، جمع (زبرة) وهي القطعة منه وهي كاللبنة يقال كل لبنة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه {حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ} أي وضع بعضه على بعض من الأساس، حتى إذا حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضاً {قَالَ ٱنفُخُواْ} أي أجّج عليه النار، حتى صار كله ناراً {قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} قال ابن عباس والسدي: هو النحاس.

وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلاً قال:
"يا رسول الله، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال: "انعته لي"، قال كالبرد المحبّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء، قال: "قد رأيته."
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض امرائه وجهز معه جيشاً سرية لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتونه له إذا رجعوا، فتوصلوا من بلاد إلى بلاد، ومن ملك إلى ملك، حتى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه باباً عظيماً، وعليه أقفال عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك، وأن عنده حرساً من الملوك التاخمة له، وأنه عال منيف شاهق، لا يستطاع، ولا ما حوله من الجبال، ثم رجعوا إلى بلادهم وكانت غيبتهم أكثر من سنتين، وشاهدوا أهوالاً وعجائب.

*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه

الجمعة، 18 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء، ٨٩)

معنى القلب السليم: القلب الذي لا يعمُر إلا بما أراد الله أنْ يعمُرَ به، وقد ورد في الحديث القدسي: "ما وسعتني أرضي ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن". 

إذن: لا تزحم قلبك بما يَشْغَله من أمور الدنيا، واجعله خالياً لله مُنْشغلاً به، فهذه هي سلامة القلب؛ لأن القلب مفطور على هذا، مطبوع عليه.. ساعة خلقه الله خلقه صافياً سليماً من المشاغل. 

[وعند القرطبي: روي عن عروة أنه قال: يا بني.. لا تكونوا لعانين، فإن إبراهيم، عليه السلام، لم يلعن شيئا قط، قال الله تعالى: {إذ جاء ربه بقلب سليم} الصافات، 84.]

*من خواطر الشعراوي، رحمنا الله ورحمه

الخميس، 17 أبريل 2014

مما جاء في تفسير قوله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى... ) الآيات من الصافات، ٩٩-١٠٧

السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول الله أحسن القائلين:

وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ • رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ • فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ • فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ • فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ • وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ • قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ • إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ • وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
(الصافات، ٩٩-١٠٧)

يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، أنه بعدما نصره اللّه تعالى على قومه، وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الآيات العظيمة، هاجر من بين أظهرهم وقال: إني ذاهب إلى ربي سيهدين • رب هب لي من الصالحين} يعني أولاداً مطيعين يكونون عوضاً عن قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال اللّه تعالى: {فبشرناه بغلام حليم} هذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام، فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة، وولد إسحاق وفي عمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة.
***
وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام، وقوله تعالى: {فلما بلغ معه السعي} أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه، قال ابن عباس ومجاهد: {فلما بلغ معه السعي} بمعنى شب وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}، قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي، ثم تلا هذه الآية: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}؟ وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة اللّه تعالى وطاعة أبيه {قال يا أبت افعل ما تؤمر} أي امض لما أمرك اللّه من ذبحي، {ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين} أي سأصبر وأحتسب ذلك عند اللّه عزَّ وجلَّ، وصدق صلوات اللّه وسلامه عليه فيما وعد، ولهذا قال اللّه تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً}.
***
قال تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} أي فلما تشهدا وذكرا اللّه تعالى؛ إبراهيمُ على الذبح وشهد الولد شهادة الموت، وقيل: {أسلما} يعني استسلما وانقادا؛ إبراهيم امتثل أمر اللّه تعالى وإسماعيل طاعة للّه ثم لأبيه، قاله مجاهد وغيره وهو الأظهر.
***
ومعنى {تلّه للجبين}: أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه، قال ابن عباس: {وتله للجبين} أكبه على وجهه وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير والضحّاك وقتادة.

عن ابن عباس، رضي اللّه عنهما، أنه قال: لما أمر إبراهيم، عليه السلام، بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه، فسبقه إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات، حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات، ثم تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قميص أبيض: فقال له يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفني فيه غيره، فأخلعه حتى تكفني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه: {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فالتفت إبراهيم، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين".
***
وقوله تعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، وذكر السدي وغيره أنه أمرَّ السكين على رقبته فلم تقطع شيئاً، بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس، ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك {قد صدقت الرؤيا}.

وقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى: {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً • ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال تعالى: {إن هذا لهو البلاء المبين} أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك، مستسلماً لأمر اللّه تعالى منقاداً لطاعته ولهذا قال تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} ، وقوله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} عن علي رضي اللّه عنه قال: بكبش أبيض أقرن قد ربط بسمرة، وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: كان الكبش يرتع في الجنة، حتى شقق عنه ثبير، وكان عليه عهن أحمر ذكر أن الكبش هو الذي قربه ابن آدم وكان في الجنة حتى فدي به إسماعيل وهو منقول عن بعض السلف ، قال مجاهد: ذبحه بمنى عند النحر.
 
*من تفسير ابن كثير، رحمنا الله ورحمه

الأربعاء، 16 أبريل 2014

بماذا يدرك المأموم فضل تكبيرة الإحرام؟

للعلماء في ذلك عدة أقوال:
الأول: أن المأموم يدرك فضلها بحضوره تكبيرة إحرام إمامه، وتكبيره بعده دون تأخير. 

الثاني: أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة. 

الثالث: يدركها إذا أدرك الإمام قبل أن ينتهي من قراءة الفاتحة، وهو قول وكيع حيث سئل عن حد التكبيرة الأولى، فقال: "ما لم يختم الإمام بفاتحة الكتاب".

الرابع: أنها تُدرك بإدرك القيام مع الإمام لأنه محل تكبيرة الإحرام. 

الخامس: أنها تحصل بإدراك الركوع الأول مع الإمام، وهو مذهب الحنفية.

والقول الأول هو الأقرب، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم.
قال النووي: "يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام، وفيما يدركها به أوجه: أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته، فإن أخر لم يدركها..." 

وقال ابن رجب: "ونص [الإمام] أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى". 
وقال أيضا: "وقد قال وكيع: من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضلية تكبيرة الإحرام.

وأنكر الإمام أحمد ذلك، وقال: لا تُدرك فضلية تكبيرة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام".

وقال ابن مفلح رحمه الله: "قَالَ جَمَاعَةٌ: وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ".

وقال الحجاوي: "وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه".

وقال الشيخ ابن عثيمين: "السنة: إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام، وقد ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب. يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من "الراء" بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام".

وفي "الملخص الفقهي" للشيخ صالح الفوزان: "ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام". 
والله أعلم.

*من منتدى أهل الحديث:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=178521
نقلا عن موقع "الإسلام، سؤال وجواب"
http://www.islamqa.com/ar/ref/126388