الاثنين، 26 يناير 2009

طفل.. في زمن الهبوط


أثناء هجوم المغتصب اليهودي على غزة.. كنت أتابع المشاهد المؤلمة الحارقة على التلفاز. يأتي ابني الصغير، للتو أكمل عامه الثاني.. أطال الله عمره في زمن العزة. يناديني.. معلنا لي أنه عرف كنيتا تناسب حاله وحالي وحال الأمة. طفل (عادي).. بدأ يستخدم الحروف (الشفهية) للنطق.. الباء والماء.. ليس إلا. يناديني بصوت عالٍ وسريع: ماما، ماما، ماما..

أنا أبوك.. قل يا بابا.. أبي.. قل (أبويه)..! لا يستمع لي، يكرر.. ماما، ماما، ماما..

لا ألومك أبداً يا بني.. تنظر إلى والدك.. تراه يشاهد التلفاز، في غرفة دافئة، في الشتاء البارد، ينتظر العشاء.. تنظر إلى الشاشة (الحمراء).. ترى أشلاء الضحايا، الذين ربما ظننت أن لهم انتماء ديني، عقدي، إنساني بأبيك، أو ربما أوهمك أبوك بذلك..؟! ترى أهل غزة قتلا في كل مكان.. تراهم يُقَتَلُون علنا، في وضح النهار وجنح الليل.. ترى أطفالا في مثل عمرك، ربما لا يستطيعون النطق مثلك.. أظنهم يحتاجون لمدارس تعلمهم كيف يبتسمون.. كيف يضحكون.. تراهم – يا بني - يبكون، جائعين، جرحى، يستنجدون، يستشهدون، أشلاء.. دماء فائرة.. دماء تنطق.. مالكم لا تبصرون، تنددون وتشجبون.. هنيئا لكم "زمن الهبوط"..!

ابني.. رأى والدك ذلك.. هو وغيره.. عجزنا عن تحريك أي ساكن، أو تسكين أي متحرك..

ولدي، لا تشغل نفسك بهموم أمتك اليوم.. اطمئن.. استعنا بمجلس الأمن، والأم الحنون، أمريكا.. سيأتون لنجدتنا قريبا.. سندفع لهم قيمة الخراب، وسيعيدون بناء المدينة.. ستكون المدينة أجمل مما كانت عليه، ولكنها ستظل حمراء.. لن يستطيعوا غسل الدماء من الطرقات، المدارس، البيوت، المساجد.. تحرقهم كلما اقتربوا منها. لا أظن لهيب الدماء سيخمد أبدا..!

عندما تكبر يا بني، كن أفضل مني! إن كنت بجانبك وقتها، فسأحتفظ لك ببعض صور الحرب.. صوار الخراب.. صور الظلم.. كي تتذكر.. سأخبرك بعجز أمتك وقتها..

ابني، لك أن تدعيني بما تشاء..

غزة، ويل لنا إن نسينا جراحك!

غزة.. إن خذلناك اليوم، فسيأتي الناصر غدا..

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ...}