الجمعة، 14 فبراير 2014

تفسير سورة الروم، الآيات ١٦-٢٠

السلام عليكم.. أسعد الله صباحكم ويسر عملكم..🌹

يقول الحق تبارك وتعالى في سورة الروم (الآيات: ١٦-٢٠):

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ
(الروم، ١٦)

قوله تعالى: {وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} تقدّم الكلام فيه. {وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ} أي بالبعث. {فَأُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} أي مقيمون. وقيل: مجموعون. وقيل: معذبون. وقيل: نازلون؛ ومنه قوله تعالى: 
{إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ}
[البقرة: 180]، أي نزل به؛ قاله ابن شجرة، والمعنى متقارب.

*من تفسير القرطبي، رحمه الله
***
ويقول عز وجل:

 فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ • وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ • يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ
(الروم: ١٧ - ١٩)

هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده في هذه الأوقات المتعاقبة، الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح وهو إسفار النهار بضيائه، ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال تعالى: {وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ} أي هو المحمود على ما خلق في السماوات والأرض، ثم قال تعالى: {وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فالعَشاء هو شدة الظلام والإظهار هو قوة الضياء، كما قال تعالى: 
{وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}
[الشمس: 3-4]،
 وقال تعالى: 
{وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ}
[الليل: 1-2]،
وقال تعالى: 
{وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ}
[الضحى: 1-2]
 والآيات في هذا كثيرة.
***
وفي الحديث:
"ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفَّى، لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون."
***
وقوله تعالى: {يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ} هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة، فإنه يذكر خلقه الأشياء وأضدادها ليدل على كمال قدرته، فمن ذلك إخراج النبات من الحب، والحب من النبات، والبيض من الدجاج، والدجاج من البيض، والإنسان من النطفة، والنطفة من الإنسان، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. وقوله تعالى: {وَيُحْي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، كقوله تعالى: 
{وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}
[يس: 33]،
وقال تعالى: 
{وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}
[الحج: 5]، ولهذا قال: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}.
***
ويقول الحق تبارك وتعالى:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ 
(الروم، ٢٠)

يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ} الدالة على عظمته وكمال قدرته، أنه خلق أباكم آدم من تراب، {ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} فأصلكم من تراب، ثم من ماء مهين، ثم تصور فكان علقة، ثم مضغة، ثم صار عظاماً، شكله على شكل الإنسان ثم كسا الله تلك العظام لحماً، ثم نفخ فيه الروح فإذا هو سميع بصير، ثم كلما طال عمره تكاملت قواه وحركاته، حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون، ويدور أقطار الأرض، ويكتسب، ويجمع الأموال، وله فكرة وغور، ودهاء ومكر، ورأي وعلم، واتساع في أمور الدنيا والآخرة كل بحسبه، فسبحان من أقدرهم وسيّرهم وسخّرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب وفاوت بينهم في العلوم والفكر، والحسن والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، ولهذا قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}. عن أبي موسى الأشعري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك."

*من تفسير ابن كثير، رحمه الله

ليست هناك تعليقات: