الأحد، 9 فبراير 2014

ما جاء في تفسير قوله تعالى: (الم)

السلام عليكم، طاب صباحكم وعملكم..🌹

يقول منزل الكتاب:

{ الۤمۤ }

كما في: البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة.

اختلف المفسِّرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسروها، حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود، رضي الله عنهم أجمعين.
***
ومنهم من فسرها ، واختلف هؤلاء في معناها ، فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنما هي أسماء السور [ قال العلامة الزمخشري في تفسيره : وعليه إطباق الأكثر، ونقله عن سيبويه أنه نص عليه ] ، ويعتضد هذا بما ورد في الصحيحين ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة : "الم السجدة"، وهل أتى على الإنسان .
وقال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أنه قال : "الم"، و "حم" ، و "المص"، و "ص"، فواتح افتتح الله بها القرآن.
***
وقال ابن أبي النجيح وقتادة وزيد بن أسلم: "الم" اسم من أسماء القرآن الكريم. ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد : أنه اسم من أسماء السور ، فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن ، فإنه يبعد أن يكون " المص " اسما للقرآن كله ؛ لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول : قرأت " المص " ، إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف ، لا لمجموع القرآن . والله أعلم.
***
وقيل "الم" اسم من أسماء الله تعالى. فقال الشعبي : فواتح السور من أسماء الله تعالى، وكذلك قال سالم بن عبد الله، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، وقال شعبة عن السدي: بلغني أن ابن عباس قال: "الم" اسم من أسماء الله الأعظم . هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة .
ورواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن شعبة، قال: سألت السدي عن "حم" و "طس" و "الم"، فقال: قال ابن عباس: هي اسم الله الأعظم.
***
وعن أبي العالية في قوله تعالى: (الم) قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ، ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلائه ، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم.
***
قال عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وعجب ، فقال: وأعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون به؛ فالألف مفتاح اسم الله، واللام مفتاح اسمه " لطيف " والميم مفتاح اسمه "مجيد" فالألف آلاء الله، واللام لطف الله، والميم مجد الله، والألف سنة، واللام ثلاثون سنة، والميم أربعون سنة. هذا لفظ ابن أبي حاتم.
***
قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي الصريح في أماكن، وجاء منها على حرف واحد مثل { صۤ } وحرفين مثل { حـمۤ } وثلاثة مثل { الۤمۤ } وأربعة مثل { الۤمۤصۤ } وخمسة مثل { كۤهيعۤصۤ } لأن أساليب كلامهم منها ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك.
***
قال ابن كثير: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء في تسع وعشرين سورة مثل: { الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } 

{ الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ }
[آل عمران: 1-3] 

{ الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ }
[الأعراف: 1-2] 

{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ }
[إبراهيم: 1] 

{ الۤمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ }
[السجدة: 1-2] 

{ حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }
[فصلت: 1-2]

وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أَمعن النظر.
***
قلت [أي ابن كثير]: مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا ، وهي: ا ل م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن، يجمعها قولك: نص حكيم قاطع له سر. 
وهي نصف الحروف عددا، والمذكور منها أشرف من المتروك، وبيان ذلك من صناعة التصريف.
***
ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاما، فقال : لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ؛ ومن قال من الجهلة : إنه في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية ، فقد أخطأ خطأ كبيرا ، فتعين أن لها معنى في نفس الأمر ، فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به ، وإلا وقفنا حيث وقفنا ، وقلنا  (آمنا به كل من عند ربنا) [آل عمران : 7].

*من تفسير ابن كثير، رحمه الله

ليست هناك تعليقات: