السبت، 22 فبراير 2014

تفسير قوله تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ... الآية) من الإسراء

السلام عليكم.. أسعد الله صباحكم وزادكم من فضله العظيم..

يقول الله جل جلاله:

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا • اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
 (الإسراء، ١٣-١٤)

يقول تعالى بعد ذكر الزمان - [في الإسراء، ١٢] - وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم:

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، وطائرة: هو ما طار عنه من عمله، كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: من خير وشر، ويلزم به ويجازى عليه، 
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}
[الزلزلة: 7-8]،

وقال تعالى: 
{عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
[ق: 17-18]،

وقال تعالى: 
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
[الانفطار: 10-12]
***
 والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه قليله وكثيره، ويكتب عليه ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساء. قال الإمام أحمد عن جابر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لطائر كل إنسان في عنقه."

وقوله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} أي نجمع له عمله كله في كتاب، يعطاه يوم القيامة، إما بيمينه إن كان سعيداً، أو بشماله إن كان شقياً..
***
{مَنْشُوراً} أي مفتوحاً يقرؤه هو وغيره، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره، يقول تعالى: {يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}
[القيامة: 13].

ولهذا قال تعالى: {ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} أي إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلاّ ما عملت، لأنك ذكرت جميع ما كان منك، ولا ينسى أحد شيئاً مما كان منه، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي.
***
وقوله: {أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} إنما ذكر العنق لأنه عضو لا نظير له في الجسد، ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ليس من عمل يوم إلاّ وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا ربنا عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرب جل جلاله: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت."
***
وقال معمر عن قتادة {أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قال: عمله، { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } قال: نخرج ذلك العمل {كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً} قال معمر: وتلا الحسن البصري 
{عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ}
[ق: 17].

"يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة كتاباً تلقاه منشوراً {ٱقْرَأْ كِتابَكَ... الآية}. فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك".. هذا من أحسن كلام الحسن رحمه الله.

*من تفسير ابن كثير، رحمه الله ورحمنا

ليست هناك تعليقات: