السبت، 15 فبراير 2014

تفسير قول أحسن الخالقين في سورة الروم، الآيات ٢١-٢٤

السلام عليكم.. طيب الله صباحكم وغفر لكم لوالديكم ولنا جميعا..🌹

يقول الله أحسن الخالقين في سورة الروم (٢١-٢٤):

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
(الروم، ٢١)

يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) أي: خلق لكم من جنسكم إناثا يَكُنَّ لكم أزواجا، (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف:189،] يعني بذلك حواء، خلقها الله من آدم من ضِلَعه الأقصر الأيسر. ولو أنه جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر [من غيرهم] إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نَفْرَة لو كانت الأزواج من غير الجنس.
***
ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة: وهي المحبة، ورحمة: وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
***
ويقول الله أحسن الخالقين:

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِِمِينَ 
(الروم، ٢٢)

يقول تعالى: ومن آيات قدرته العظيمة (خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أي: خلق السماوات في ارتفاعها واتساعها، وشفوف أجرامها وزهارة كواكبها ونجومها الثوابت والسيارات، والأرض في انخفاضها وكثافتها وما فيها من جبال وأودية، وبحار وقفار، وحيوان وأشجار.
***
وقوله: ( وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ ) يعني: اللغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء تَتَرٌ لهم لغة أخرى، وهؤلاء كَرَج، وهؤلاء روم، وهؤلاء إفرنج، وهؤلاء بَرْبر، وهؤلاء تكْرور، وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم، وهؤلاء صقالبة، وهؤلاء خزر، وهؤلاء أرمن، وهؤلاء أكراد، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله من اختلاف لغات بني آدم.
***
واختلاف ألوانهم وهي حُلاهم، فجميع أهل الأرض - بل أهل الدنيا - منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة.. كل له عينان وحاجبان، وأنف وجبين، وفم وخدان. وليس يشبه واحد منهم الآخر، بل لا بد أن يفارقه بشيء من السمت أو الهيئة أو الكلام، ظاهرا كان أو خفيا، يظهر عند التأمل، كل وجه منهم أسلوب بذاته وهيئة لا تشبه الأخرى. ولو توافق جماعة في صفة من جمال أو قبح، لا بد من فارق بين كل واحد منهم وبين الآخر، (إنَّ فِي ذَلِك لآيات للعَالِمين).
***
ويقول أحسن الخالقين:

 وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
(الروم، ٢٣)

 أي: ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة، وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار، وهذا ضد النوم ، ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) أي: يعون.
***
قال الطبراني:
عن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: أصابني أرق من الليل، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم، يا حي يا قيوم، أنم عيني وأهدئ ليلي»، فقلتها فذهب عني.
***
ويقول الله أحسن الخالقين:

وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
(الروم، ٢٤)

يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ) الدالة على عظمته أنه (يرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) أي: تارة تخافون مما يحدث بعده من أمطار مزعجة، أو صواعق متلفة، وتارة ترجون وَمِيضَه وما يأتي بعده من المطر المحتاج إليه؛ ولهذا قال: (وَيُنـزلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) أي: بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء، فلما جاءها الماء (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج:5]. وفي ذلك عبرة ودَلالَة واضحة على المعاد وقيام الساعة؛ ولهذا قال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

*من تفسير ابن كثير، رحمه الله

ليست هناك تعليقات: