الاثنين، 24 فبراير 2014

مقتطفات من تفسير قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).. الإسراء، ٢٣

السلام عليكم.. أسعد الله صباحكم وفتح لكم من خيري الدنيا والآخرة..🌹

يقول الحق تبارك وتعالى:
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبرَ أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} 
(الإسراء، ٢٣)

أمر الله تعالى عباده في كتابه العظيم بأوامر صريحة في بر الوالدين، فقال تبارك وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً}  [الأحقاف:15]

 وقرن تعالى برهما بالأمر بعبادته في كثير من الآيات؛ ومن ذلك قوله تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36].

وبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله، فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها). قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين). قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله). [متفق عليه].

***
وفي آية بر الوالدين من سورة الإسراء: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه... الآية)، ذكر المفسر طاهر ابن عاشور، رحمه الله، أنها - أي هذه الآية - هي أول تفصيل للشريعة للمسلمين وقع في مكة. [ومعها ستكون لنا عدة وقفات]

- الوقفة الأولي: لِمَ ذكر الله تعالي الإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بالعبادة لله تعالى؟

- الوقفة الثانية: ِلمَ لم يقدّم كلمة (إحسانا) كقول (وإحسانا بالوالدين) ولكنه قال (وبالوالدين احسانا)؟

ومن أعاجيبها، يقول الشيخ: حتي في أدق التفاصيل يقدّم الوالدين حتي في ذكرهما اللفظي، فقدّم كلمة (الوالدين) على (إحسانا)، مع أن الإحسان متعلق بهما.

- لم أتت كلمة (الوالدين)  بـ"أل" التعريف؟ 
الجواب: ليشمل كل والدي كل مكلف شمله الخطاب السابق: (ألا تعبدوا إلا اياه).

- ما هو السر في إتيان (إحسانا) بالتنكير، وليست معرفة؟
الجواب: ليشمل كل لون من ألوان الإحسان، القول والفعل.

- لم ذكر (أحدهما) و(كلاهما) في قوله تعالى: (إما يبلغن عندك الكبرَ أحدهما أو كلاهما)، ولم يكتفِ بـ(أحدهما)؟
الجواب: البر مقصود ومطلوب سواء عندك الوالدين كلاهما أو أحدهما (في الكبر) و.....

-لم تم ذكر كلمة (عندك) في الآية، خطاباً مباشرا لهذا الإبن؟
الجواب: لتصور معني (الإلتجاء) و(الإحتماء) في حال الكبر والضعف ويكون ذلك (عندك) [كون الإبن المخاطب والمعني].. أي بعد أن كان الإبن (عندهما)، صار الوالدين (عندك)، فهما يكبرا ويعجزا، ويكونا كلاًّ وعبئاً على الولد، فهذا أشقى عليه وأشد احتمالاً.. فقال تعالى: (فلا تقل لهما أف).

- ترتيب النواهي للإبن: (فلا تقل لهما أف، ولاتنهرهما، وقل لهما قولا كريماً)؟
مرتبة ترتيباً.

- ما معنى كلمة (أف)، وهل هي مقصودة لذاتها؟
الجواب: (أف): اسم فعل بمعنى (أتضجر)، أي أنا أتضجر، وفيها أن الله ضيّق على الولد مايطلبه عليه لوالديه، فلا تقل للوالدين حتي ولو (أف)، هذين الحرفين اللذين قد تنفلت من المتضجر. ربما يكون الوالدين ثقيلين على الإبن بمرض أو رعاية خاصة، فعلى الإبن أن يقوم بالبر ولايقل لهما (أف). و(أف) ليست مقصودة لذاتها، إنما دلالة على غيرها، من أي أنواع التضجر. فهو لم يسب أو يلعن، إنما قال (أف)، ولم يقل جمل وتراكيب.. لم يقل (أتعبتوني) أو غيرها. فإذا هو قد نهي عن هذا الكلام الخفيف (أف)؛ فغيره أعظم من باب أولى.

- (ولاتنهرهما) هنا لفتة جميلة.
ولاتنهرهما، أي: لاتوجرهما مما يتعاطيانه، من المعلوم أن لكل جيل مايستحسن وما يستقبح، فجيل الآباء غير جيل الأبناء، وجيل الأبناء، غير جيل الأبناء القادمين.

إذن: قد يستحسن الوالدان أموراً كانا يستحسناها أيام شبابهما وقوتهما، مما لا يروق للأبناء، إما بطبائع أو بأمور إجتماعية، وإما بعادة تدفئة أو إطفاء مكيف، فهنا ينبغي للإبن ألا ينهرهما، بل عليه (بمعني الآية) أن يتكيّف بما يريدان، ويرحمهما ولا يجبرهما على شيء.

- (وقل لهما قولا كريما) هل لهذا القول الكريم حد؟
الجواب: قال الراغب الأصفهاني: (كل شئ يشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم)، انتهى.

ويمكن أن يكون من باب الإضافة (قولا كريما) أي قول رجل كريم وقول ولد كريم.

والأعجب في كلام سعيدبن المسيب، عندما سأله رجلا عن (القول الكريم) فرد عليه: (هو قول العبد المذنب لسيد فظ)، انتهى. 
(عبد ومذنب، لسيد فظ غليظ.. ماذا سيكون القول له؟ لا شك في أنه سيتذلل غاية التذلل في كلامه له.

*من مقتطفات في بر الوالدين، للدكتور إبراهيم بن عبد الله السماعيل، بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات: