الثلاثاء، 18 فبراير 2014

تفسير سورة الإسراء، الآية الأولى (مع قصة الإسراء)

السلام عليكم.. طاب نهاركم..🌹

يقول السميع البصير:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
(الإسراء، ١)

يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره ولا رب سواه، {ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، {لَيْلاً}: أي في جنح الليل، {مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ}: وهو مسجد مكة {إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى} وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله تعالى: {ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}: أي في الزروع والثمار، {لِنُرِيَهُ}: أي محمداً {مِنْ آيَاتِنَآ}: أي العظام، كما قال تعالى: 
{لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَى }

[النجم: 18]، {إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ} أي السميع لأقوال عباده البصير بهم، فيعطي كلا منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة.
***

[ثلاثة نفر حملوا نبينا إلى بئر زمزم]
قال الإمام البخاري، عن أنس بن مالك، يقول:

" ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة فلم يرهم، حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشو إيماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب باباً من أبوابها فناداه أهل السماء من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: فمرحباً به وأهلاً. يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم، فقال: مرحباً وأهلاً بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: " ما هذان النهران يا جبريل؟ " قال: هذان النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الملائكة الأولى من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحباً به وأهلاً، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية. ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى، فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع علي أحداً.
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما يوحي خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط به حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: " عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة ". قال إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تعالى وتقدس، فقال وهو في مكانه: " يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا " ، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجساداً وقلوباً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: " يا رب إن أمتي ضعفاء، أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم، فخفف عنا، فقال الجبار تبارك وتعالى: يا محمد! قال: " لبيك وسعديك " ، قال: إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: " خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها " ، قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا موسى قد والله استحييت من ربي عزَّ وجلَّ مما اختلف إليه ". قال فاهبط باسم الله. قال واستيقظ وهو في المسجد الحرام "
، هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد.
***
[نورا أنى أراه!]
قول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذر قال:

" يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: " نور أنى أراه "
وفي رواية:
" رأيت نوراً "
أخرجه مسلم، وقوله: 
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ}
[النجم: 8]، إنما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في " الصحيحين " عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا.
***
[من وصف البراق]
وقال الإمام أحمد، عن أنس بن مالك

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتيت بالبراق وهو دابة، أبيض، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: أصبت الفطرة، قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل، فقيل له من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم يقول تعالى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه.
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها، قال: فأوحى الله إليّ ما أوحى، وقد فرض عليّ في كل يوم وليلة، خمسين صلاة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف... [راجع تفسير ابن كثير لتتمة الحديث].
***
[عجوز على جانب الطريق]
 عن أنس بن مالك قال:
" لما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق فكأنها حركت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق فوالله ما ركبك مثله، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: " ما هذه يا جبريل؟ " قال: سر يا محمد. قال: فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متخياً عن الطريق، فقال: هلم يا محمد، فقال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير، قال فلقيه خلق من خلق الله، فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد، فرد السلام، ثم لقيه الثانية، فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الخمر والماء واللبن، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت ولغوت أمتك، ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء عليهم السلام، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة. ثم قال له جبريل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلاّ كما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام".
(رواية عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة)
***
[فتنة الناس وأحقية "الصديق" بلقبه]
عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول:
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهى إلى بيت المقدس لقي فيه إبراهيم وموسى وعيسى، وإنه أتي بقدحين من لبن وقدح من خمر، فنظر إليهما ثم أخذ قدح اللبن، فقال جبريل: أصبت هديت للفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فأخبر أنه أسري به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه "
وقال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمٰن:
" فتجهز - أو كلمة نحوها - ناس من قريش إلى أبي بكر فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس، ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة. فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأنا أشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه في أن يأتي الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم أنا أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء "، قال أبو سلمة: فبها سمي أبو بكر الصديق.
***
[عير قريش التي تاهت]
(رواية شداد بن أوس)
روى الإمام الترمذي، عن جبير بن نفير، عن شداد بن أوس قال، قلنا: يا رسول الله، كيف أسري بك؟ قال:

" صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتماً، فأتاني جبريل عليه السلام بدابة أبيض - أو قال بيضاء - فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب، فاستصعب علي، فرازها بأذنها. ثم حملني عليها. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث انتهى طرفها حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فأنزلني. فقال: صلِّ، فصليت، ثم ركبت، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها عند منتهى طرفها، ثم بلغنا أرضاً، قال: انزل، ثم قال: صلِّ، فصلَّيت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليت بمدين عند شجرة موسى، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضاً بدت لنا قصور، فقال: انزل فنزلت، فقال: صلِّ، فصلَّيت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى ابن مريم، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب تميل فيه الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر عسل أرسل إليّ بهما جميعاً، فعدلت بينهما ثم هداني الله عزَّ وجلَّ فأخذت اللبن فشربت حتى عرقت به جبيني، وبين يدي شيخُ متكئ على مثوات له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة إنه ليهدى، ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي، قلت: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال: وجدتها مثل الحمة السنخة، ثم انصرف بين فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله أين كنت الليلة فقد التمستك في منامك، فقد علمت أنك أتيت بيت المقدس الليلة، فقال يا رسول الله إنه مسيرة شهر فصفه لي. قال: ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلاّ أنبأته. فقال أبو بكر: أشهد أنك لرسول الله، وقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشه يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة! قال: فقال: إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيراً لهم فجمعه لهم فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حين كان قريباً من نصف النهار، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
***
[كأن موسى بن عمران من رجال شنوءة]
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رأيت ليلة أسرى بي موسى بن عمران رجلاً طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ". وأري مالكاً خازن جهنم، والدجال في آيات أراهن الله إياه، قال: {فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ} "
، فكان قتادة يفسرها
"أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى عليه السلام، {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} قال: جعل موسى هدى لبني إسرائيل".
***
[سلام مالك خازن جهنم على نبينا الكريم]
وفي " صحيح مسلم " ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كرباً ما كربت مثله قط، فرفعه الله إلي أنظر إليه، ما سألوني عن شيء إلاّ أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى قائم يصلي وإذا هو رجل جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس شبهاً به عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أقرب الناس شبهاً به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت قال قائل: يا محمد هذا مالك خازن جهنم، فالتفت إليه فبدأني بالسلام ".
***
[الإسراء بالبدن أم الروح، أم بكليهما؟]
ثم اختلف الناس هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه أو بروحه فقط؟ على قولين، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظه لا مناماً.

ولا ينكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ثم رآه بعد ذلك يقظه لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، والدليل على هذا قوله تعالى: {سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}. فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه. ولما ارتدت جماعة مما كان قد أسلم. وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال: {أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً} وقال تعالى: 
{وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ}

[الإسراء: 60] قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم. وقال تعالى: 
{مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ}
[النجم: 17].
والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضاً فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان وإنما يكون هذا للبدن لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه والله أعلم. وقال آخرون: بل أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه ولا بجسده وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير في تفسير بالرد والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن.

*من تفسير ابن كثير، رحمه الله ورحمنا..

ليست هناك تعليقات: