الاثنين، 17 فبراير 2014

مما جاء في تفسير سورة الماعون..

السلام عليكم.. وأسعد الله صباحكم ودنياكم..

يقول الحق تبارك وتعالى في سورة [الماعون]:

{أَرَأَيْتَ} يا محمد {ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ [١]} وهو المعاد والجزاء والثواب {فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ [٢]} أي هو الذي يقهر اليتيم ولا يطعمه ولا يحسن إليه {وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ [٣]} كقوله 
{وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ}.
***
ثم قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ [٤] * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ [٥]} قال ابن عباس: يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال: {لِّلْمُصَلِّينَ} الذين من أهل الصلاة ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، أو يخرجها عن وقتها، وقال عطاء بن دينار: الحمد لله الذي قال: { عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } ولم يقل { في صلاتهم ساهون} فيؤخرونها إلى آخر الوقت، أو لا يؤدونها بأركانها وشروطها عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله.
***
كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً."
فهذا أخّر صلاة العصر التي هي الوسطى - كما ثبت به النص - إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً، ولهذا قال:
"لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً"
ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية، قال الله تعالى: 
{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }.
*من تفسير ابن كثير، رحمه الله
***
 قال ابن عباس: لو قال في (صلاتهم ساهون) لكانت في المؤمنين. وقال عطاء: الحمد لله الذي قال: «عَنْ صلاتِهِم» ولم يقل في صلاتهم. قال الزَمَخْشَرِيُّ: فإن قلت: أيّ فرق بين قوله: «عن صلاتِهِم»، وبين قولك: في صلاتهم؟ قلتُ: معنى «عن» أنهم ساهون عنها سهو تركٍ لها وقلةِ التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، أو الفَسَقة الشُّطَّار من المسلمين. ومعنى «في» أن السهو يعتريهم فيها، بوسوسة شيطان، أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته، فضلاً عن غيره؛ ومِن ثمّ أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم.
***
قال ابن العَرَبيّ: لأن السلامة من السهو محال، وقد سها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته والصحابة. وكل من لا يسهو في صلاته، فذلك رجل لا يتدبَّرُها، ولا يعقِل قراءتها، وإنما همه في أعدادها؛ وهذا رجل يأكل القشور، ويرمِي اللب. وما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يسهو في صلاته إلا لفكرته في أعظم منها؛ اللهم إلا أنه قد يسهو في صلاته من يقبل على وسواس الشيطان إذا قال له: اذكر كذا، اذكر كذا؛ لِما لم يكن يذكر، حتى يضِلّ الرجل أن يدري كم صلى.
*من تفسير الجامع للقرطبي، رحمه الله
***
وقال تعالى هٰهنا: {ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ [٦]} ، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعدّ ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد: لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله."
***
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من سمّع بعمله سمّع الله به سامع خلقه وحقّره وصغّره".
***
ومما يتعلق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" كنت أصلي، فدخل عليّ رجل، فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية."
وفي رواية عنه قال،
" قال رجل: يا رسول الله! الرجل يعمل العمل يسره فإذا اطلع عليه أعجبه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "له أجران: أجر السر وأجر العلانية."
***
وفي قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ [٧]}، سئل ابن مسعود عن الماعون؟ فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك، وقال ابن جرير، عن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن."

وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة، وهذا الذي قاله عكرمة حسن، فإنه يشمل الأقوال كلها. ولهذا جاء في الحديث:
"كل معروف صدقة".

*من تفسير ابن كثير، رحمه الله

ليست هناك تعليقات: