الاثنين، 10 مارس 2014

مما جاء في تفسير (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) الإسراء، ٦٤

السلام عليكم.. أسعد الله صباحكم..

يقول الله رب العالمين:

وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا
 (الإسراء، ٦٤)

قوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك}

هذا كما تستنهض ولدك الذي تكاسل، وتقول له: فِزّ يعني انهض، وقُمْ من الأرض التي تلازمها كأنها مُمسكة بك. 

فتقول للمتثاقل عن القيام: فِزّ أي: قُمْ وخِفّ للحركة والقيام بإذعان. فالمعنى: استفزز مَنِ استطعت واستخفّهم واخدعهم {بِصَوْتِكَ} بوسوستك أو بصوتك الشرير، سواء أكان هذا الصوت من جنودك من الأبالسة أمثالك، أو من جنودك من شياطين الإنس الذين يعاونوك ويساندونك.
***
[يقول ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك}

 قيل: هو الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك، وقال ابن عباس في قوله: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} قال: كل داع دعا إلى معصية الله عزَّ وجلَّ، واختاره ابن جرير.]
***
ثم يقول تعالى: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك}

أجْلَبَ عليهم: صاح به، وأجلبَ على الجواد: صاح به راكبه ليسرع والجَلْبة هي: الصوت المزعج الشديد، وما أشبه الجَلْبة بما نسمعه من صوت جنود الصاعقة مثلاً أثناء الهجوم.

وهذه الأصوات مقصودة لإرهاب الخصم وإزعاجه، وأيضاً لأن هذه الصيحات تأخذ شيئاً من انتباه الخصم، فيضعف تدبيره لحركة مضادة، فيسل عليك التغلّب عليه.

وقوله تعالى: {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ..} 

أي: صَوِّتْ وصِحْ بهم راكباً الخيل لتفزعهم، والعرب تطلق الخيل وتريد بها الفرسان، كما في الحديث النبوي الشريف: "يا خيل الله اركبي". 
***
ثم يقول تعالى: {وشاركهم في الأموال.. } فكيف يشاركهم أموالهم؟ بأن يُزيِّن لهم المال الحرام، فيكتسبوا من الحرام وينفقوا في الحرام.

(وَٱلأَوْلادِ) المفروض في الأولاد طهارة الأنساب، فدَوْر الشيطان أنْ يُفْسِدَ على الناس أنسابهم، ويُزيِّن لهم الزنا، فيأتون بأولاد من الحرام. أو: يُزيِّن لهم تهويد الأولاد، أو تنصيرهم، أو يُغريهم بقتْلِ الأولاد مخافةَ الفقر أو غيره، هذا من مشاركة الشيطان في الأولاد.

وقوله تعالى {وَعِدْهُمْ} أي: مَنيِّهم بأمانيك الكاذبة، كما قال سبحانه في آية أخرى:

{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم} 
[البقرة: 268]
***
ومن حيل الشيطان أن يُزيِّن الدنيا لأهل الغفلة ويقول لهم: إنها فرصة للمتعة فانتهزها وَخذْ حظك منها؛ فلن تعيش مرتين!
***
وهذه وساوس لا يُصدّقها إلا مَنْ لديه استعداد للعصيان، وينتظر الإشارة مجرد إشارة فيطيع ويقع فريسة لوعود كاذبة، فإنْ كان يوم القيامة تبرّأ إبليس من هؤلاء الحمقى، وقال:

{إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم...} 
[إبراهيم: 22]
***
إذن: في الآيتين السابقتين خمسة أوامر لإبليس:

اذهب [(قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم...) الإسراء: ٦٣]،
واستفزز،
وأَجْلب،
وشاركهم،
وعِدْهم.

هذه الأوامر ليست لتنفيذ مضمونها، بل للتهديد ولإظهار عجزه عن الوقوف في وجه الدعوة، أو صَدّ الناس عنها، وكأن الحق سبحانه يقول له: إفعل ما تريد ودبِّر ما تشاء، فلن توقِف دعوة الله؛ لذلك قال بعدها: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان... }.

*من خواطر الشعراوي، رحمه الله ورحمنا

ليست هناك تعليقات: