الأربعاء، 12 مارس 2014

مما جاء في تفسير {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} الإسراء، ٧٨

السلام عليكم.. طبتم وطاب صباحكم..

يقول من بيده الملك:

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
(الإسراء، ٧٨)

حين تقف في مكانك وتنظر إلى السماء تراها على شكل نصف دائرة، وأنت مركزها، وساعةَ أنْ ترى الشمس عمودية عليك، فهذا وقت الزوال، فإذا ما انحرفتْ الشمس ناحية المغرب يُقَال: دلكت الشمس. أي: مالت ناحية المغرب، وهذا هو وقت الظهر.

والمتأمل في فَرْض الصلاة على رسول الله يجد أن صلاة الظُّهْر هي أول وقتٍ صَلاَّهُ رسوَل الله؛ لأن الصلاة فُرِضَتْ عليه في السماء في رحلة [الإسراء] والمعراج، وكانت بليل، فلما عاد صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الظهر، فكانت هي الصلاة الأولى.

ثم يقول تعالى: {إلى غسق الليل..} أي: أقِم الصلاة عند دُلوك الشمس.. إلى متى؟ إلى غَسَق الليل أي: ظلمته. وفي الفترة من دُلوك الشمس إلى ظُلمة الليل تقع [أربع صلوات]، وهي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء.. ولا يبقى إلا صلاة الصبح، فقال عنها سبحانه وتعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}، [وبهذا تكون خمس صلوات مفروضة].

ونتساءل هنا: لماذا ذكر قرآن الفجر ولم يَقُلْ صلاة؟

قالوا: لأن القرآن في هذا الوقت حيث سكون الكون وصفاء النفوس، فتتلقى القرآن نديّاً طريّاً وتستقبله استقبالاً واعياً قبل أن تنشغل بأمور الحياة {إن قرآن الفجر كان مشهودا}.
***
{مشهودا} أي: تشهده الملائكة. إذن: فوقت الفجر وقت مبارك مشهود، تشهده ملائكة الليل، وهم غير مُكلَّفين بالصلاة، فالأفضل من مَشْهدية الملائكة مَشْهدية المصلِّين الذين كلَّفهم الله بالصلاة، وجعلهم ينتفعون بها.
***
[وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر.)
يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم {إن قرآن الفجر كان مشهودا}.

وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)]
***
وعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
(من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد، لقي الله عز وجل بنورٍ يوم القيامة) صححه الألباني لغيره

وفي شرح الحديث، قال العلامة ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين":
"لا شك أن الذي يذهب إلى المسجد في الظلم، فإن جزاءه من جنس العمل، يعني كما تجشم الظلم وأتى إلى المساجد، فإنه يكتب له النور يوم القيامة" اهـ. 

وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئ فيدركه فَيكُبهُ في نار جهنم.)

قال العلامة ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين":
"فهو في ذمة الله -عز وجل-": يعني في عهده وأمانة.
"فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء": يعني لا تغدوا ولا تعملوا عملا سيئا فيطالبكم الله تعالى بما عهد به إليكم.

وهذا دليل على أن صلاة الفجر كالمفتاح لصلاة النهار، بل لعمل النهار كله، وأنها كالمعاهدة مع الله بأن يقوم العبد بطاعة ربه عز وجل، ممتثلا لأمره مجتنبا لنهيه) اهـ.

*التفسير من خواطر الشعرواي، رحمه الله، ورحم ابن عثيمين، ورحمنا..

ليست هناك تعليقات: