الخميس، 13 مارس 2014

مما جاء في تفسير (ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) الإسراء، ٧٩

السلام عليكم.. طبتم وطاب يومكم..

يقول الحق تبارك وتعالى:

{ومن الليل فتهجد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}
(الإسراء، ٧٩)

أمر تعالى رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل، فإن التهجد ما كان بعد نوم، فهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتهجد بعد نومه، وقال الحسن البصري: هو ما كان بعد العشاء، ويحمل على ما كان بعد النوم.

[يقول القرطبي، رحمه الله: {فتهجد به}، أي: تهجد بالقرآن.]

واختلف في معنى قوله تعالى: {نافلة لك} ، فقيل: معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك، فجعلوا قيام الليل واجباً في حقه - صلى الله عليه وسلم - دون الأمة، وقيل: إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره من أمته إنما يكفر عن صلواته النوافل الذنوب التي عليه.

وقوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} أي افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً، يحمدك فيه الخلائق كلهم، قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل، ذلك هو المقام الذي يقومه محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.

عن حذيفة قال: يجمع الناس على صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، حفاة عراة كما خلقوا، قياماً لا تكلم نفس إلاّ بإذنه، ينادى: يا محمد

"فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك ومنك وإليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلاّ إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت"
فهذا المقام المحمود الذي ذكره الله عزَّ وجلَّ. وقال ابن عباس: المقام المحمود مقام الشفاعة. وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود.
***
قلت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، [ومنها وليست كلها] أنه أول من تنشق عنه الأرض ويبعث راكباً إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر وارداً منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعد ما يسأل الناس آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فكل يقول: لست لها، حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول:
"أنا لها، أنا لها"
[فصلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا].
***
عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة. وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه. فأنظر إلى ما بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم. ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك"، فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال: "هم غُر مُحجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى من بين أيديهم ذريتهم."
***
[ذكر الله "المقام المحمود" مرة واحدة في القرآن العظيم، وذكر التهجد من الليل في نفس الآية.. وفي فضل قيام الليل، يقول عليه الصلاة والسلام: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد" [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].

وقال صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر: "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل" [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.

وقال صلى الله عليه وسلم: "في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها" فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام" [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني].

وقال : "أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس" [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني].

وقال : "من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.

وذكر عند النبي، صلى الله عليه وسلم، رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه" [متفق عليه]]

*التفسير من ابن كثير، رحمه الله ورحمنا

ليست هناك تعليقات: