الجمعة، 7 مارس 2014

مما جاء في تفسير (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) الإسراء، ٤٥

السلام عليكم.. طيب الله مساءكم وتقبل عملكم..

يقول الحق تبارك وتعالى:

وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
 (الإسراء، ٤٥)

عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت: 

"لما نزلت سورة {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} أقبلت العَوْرَاءُ أمُّ جميل بنت حرب ولها وَلْوَلة وفي يدها فِهْر وهي تقول: 

مُذَمَّماً عَصَيْنَا * وأمْرَه أبَيْنَا * وَدِينَه قَلَيْنَا   

والنبيّ صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، لقد أقبلتْ وأنا أخاف أن تراك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال.. وقرأ {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا}. 

فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر، أخبِرتُ أن صاحبك هجاني! فقال: لا ورَبِّ هذا البيت ما هجاك. قال: فولّت وهي تقول: قد علمتْ قريش أني ابنة سيدِها."
***
 وقال كعب رضي الله عنه في هذه الآية : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستتر من المشركين بثلاث آيات: الآية التي في الكهف 

{إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} [57]

والآية في النحل {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم} [108]

والآية التي في الجاثية {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} [23]

فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأهن يستتر من المشركين. قال كعب رضي الله تعالى عنه : فحدثت بهن رجلا من أهل الشام، فأتى أرض الروم فأقام بها زمانا، ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقه ولا يبصرونه.
***
قلت: ويزاد إلى هذه الآية أول سورة يس إلى قوله {فهم لا يبصرون}. فإن في السيرة في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومقام علي رضي الله عنه في فراشه قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس {يس • والقرآن الحكيم • إنك لمن المرسلين • على صراط مستقيم • تنزيل العزيز الرحيم... - إلى قوله تعالى - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} [يس: 6]. حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
***
[هروب القرطبي في الأندلس]
 قلت: ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا. وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء، وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن؛ فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر: هذا ديبله؛ يعنون شيطانا. وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك.
***
وقيل : الحجاب المستور طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ولا يدركوا ما فيه من الحكمة؛ قاله قتادة. 
***
وقيل : نزلت الآية في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن، وهم أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث وأم جميل امرأة أبي لهب وحويطب؛ فحجب الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أبصارهم عند قراءة القرآن، وكانوا يمرون به ولا يرونه.
***
وقوله {مستورا} فيه قولان : أحدهما - أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه. والثاني: أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه؛ ويكون مستورا به بمعنى ساتر.
***
[يقول الشعراوي في خواطره: كلمة {مَّسْتُوراً} اسم مفعول من الستر، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى (ساتراً)، وهذا من قبيل المبالغة في الستر والإخفاء، فالمعنى أن الحجاب الذي يمنعهم من سماعك أو رؤيتك هو نفسه مستور، فإن كان الحجاب نفسه مستوراً، فما بالُكَ بما خلفه؟]

*من تفسير القرطبي، رحمه الله ورحمنا

ليست هناك تعليقات: